في اللهو والمتعة على ضفاف النيل الجميلة وفي داخل الحدائق الفيحاء المبعثرة في جوانب القاهرة.
وفي أثناء احتساء القهوة اقترح صديقي حسونه أن نقصد إلى حدائق الحيوانات للتريض أو تناول طعام الغداء في ظلال الأهرام. ولكني أجبته: وما رأيك في زيارة إحدى تكايا البكتاش
هناك طفح وجه صديقي بشرا. وفي الحال وافقني على القيام بهذه الزيارة. فقلت له: لقد زرنا الهرم عدة مرات وتحملنا بعض المشاق للوصول إليه بالترام. ثم تحدثنا عن بناء الأهرام وكيف حاول العرب أن يهدموا ذلك الأثر الخالد لاعتقادهم بأنه يحوي كنوزا في جوفه. ولكن على الرغم من المجهودات الشاقة التي بذلوها فانهم اضطروا إلى الانقطاع عن هدمه بعد أن أنهك قواهم وكلفهم نفقات باهظة، وعندما استولى المماليك على مصر كانوا يظنون أن الأهرام من عمل الطبيعة. وحاول البعض منهم أن يجرب أخذ الأحجار منها للبناء ولكنهم أكرهوا على التخلي عن هذه الفكرة لصعوبة تنفيذها وربما كان عدم قدرتهم على تنفيذها موافقة لإرادة الله الذي قضت حكمته ببقاء هذا البناء المهيب الشامخ كرمز لعظمة مصر القديمة. وكثيراً ما قصدت إلى منطقة الأهرام وقضيت سويعات شاعرية أناجي القمر وأراقب أشعته اللجينية وهي تغمر الأحجار الضخمة التي يتألف منها البناء الشامخ.
في هذه البقعة الساحرة يجتمع الماضي والحاضر والمستقبل وتبدو عظمة مصر الخالدة التي بهرت العالم. ولكن مالنا نتغنى الآن بتلك الأكوام الحجرية المكدس بعضها فوق بعض. أجل ليس في هذا ما يسر الخاطر ولا ما يشرح النفس - وما هي القيمة الروحية التي تمدنا بها رؤية الأهرام أمام زيارة تكية الدراويش، تلك الطائفة التي ما زالت تلهب في نفوسنا أسمى معاني الخلود ومتاع الآخرة.
وانطلقنا في طريقنا إلى تكية البكتاشية بعد أن عبرنا شوارع القاهرة الرئيسة وانتهت بنا العربة إلى مقابر الخلفاء. هناك أفضى إلى صديقي حسونه أنه حين كان طفلا وأسيئت معاملته أمام الأسرة، لم يجد من يلجأ إليه سوى كلب أرمنتي كان مقعيا على الدرج في نفس هذه البقعة، وكان يستدفئ بالشمس فاحتضنه ثم بكى. وبعد برهة وصلت إلى سمعه أصوات