شخصية معينة، وأمر ما ألقاه هو أن أنظر إليكم سواء استترتم أو تعريتم، يا رجال اليوم. . .
إن جميع ما يدعو إلى القلق في آتي الزمان وجميع ما ارتاعت له في الماضي تائهات الطيور، إنما هو أدعى الاطمئنان والارتياح من حقيقتكم، لأنكم أنتم القائلون:(إنما نحن الحقيقة المجردة عن كل خرافة واعتقاد) وبهذا تتبجحون وتنتفخون دون أن يكون لكم صدور.
وهل من عقيدة لكم وأنتم المبرقشون بجميع ما عرف الزمان من ألوان حتى اليوم؟ وهل أنتم إلا دحض صريح للإيمان نفسه وتفكيك للأفكار جميعها؟ فانتم كائنات أوهام يا من تدعون أنكم رجال الحقائق.
لقد قامت العصور كلها تتعارك في تفكيركم، وما كانت هذه العصور في أحلامها وهذيانها إلا أقرب إلى الحقيقة من تفكيركم وأنتم منتبهون.
بليتم بالعقم ففقدتم الإيمان وقد كانت للمبدع أحلامه وكواكبه قبلكم فوثق من إيمانه.
ما أنتم إلا أبواب فتحت مصاريعها لحفار القبور، وما حقيقتكم إلا القول بان شيء يستحق الزوال.
إنكم تنتصبون أمامي كهياكل عظام متحركة، أيها المبتلون بالعقم، ولا ريب في أن أكثركم لم يخف عليه أمر نفسه عندما تساءل:(هل اختطف اله مني شيئا وأنا نائم؟ والحق أن ما سلب مني يكفي لإيجاد ارأة، فما اضعف أضلاعي) هكذا يتكلم العدد الوفير من رجال هذا الزمان.
ان حلكم ليضحكني أيها الرجال؛ ويزيد في ضحكي أنكم لأنفسكم مستغربون. ولشد ما يكون وبلى لو امتنع على أن أضحك من استغرابكم ولو اضطررت إلى ازدراد ما في أوعيتكم من كريه الطعام.
أنني أستخف بكم لما على عاتقي من ثقيل الحمال فما يهمني لو نزل عليها بعض الذباب فانه لن يزيدها ثقلا وما أنتم من يحملني أشد الأتعاب أيها المعاصرون.
وا أسفاه إلى أية ذروة يجب علي أن أرتقي بأشواقي فأنني أدير لحاظي من أعالي الذرى مفتشاً عبثا عن مسقط رأسي وأوطاني، فأنا لا أزال في أول مرحلتي في المدن أتنقل أمام