لقد اندفعت بعواطفي نحو رجال هذه الايام، ولكنني ما لبثت أن تبينت فيهم قوما غرباء عني لا يستحقون إلا سخريتي، وهكذا أصبحت طريدا يتشوق إلى مسقط رأسه وأوطانه. ولا وطن لي بعد الآن إلا وطن أبنائي في الأرض المجهولة وسط البحار السحيقة، لذلك وجب أن ندفع بشراعي على صفحات المياه لأفتش عنه.
على أن أكفر أمام أبنائي لأنني كنت ابنا لآبائي. على أن أكفر عن حالي العتيد بكل جهودي في آتي الزمان
هكذا تكلم زارا.
المعرفة الطاهرة
عندما أطل القمر على ليلة أمس خيل إلي أنه أنثى أثقلها الحبل وكأن في أحشائها كوكب النهار. وقد جاءها المخاض وأنا أميل إلى تذكير القمر مني إلى تأنيثه وإن خلا من صفات الرجولة فانه رائد ليل يمر على السطوح وقد ساءت نواياه، فهو كالراهب المتدفق شهوة وحسدا يتمنى لو يتمتع بملذات جميع العاشقين
لا، إنني لا أحب هذا الهر المتجول على مزاريب السطوح، لأنني أكره كل متلصص أمام النوافذ التي لم يحكم أقفالها. إن القمر ليمر خاشعا متعبدا على بساط النجوم وأنا أكره كل من ينساب في مشيته فلا تسمع وقعا لأقدامه، فان خطوات الرجل الصريح تستنطق الأرض؛ وما يمشي الهر إلا متجسسا، وهذا القمر لا يتقدم إلا بخطوات الغدر كالهر.
ما أوردت هذا المثل إلا لكم وعنكم يا أبناء الخبث وقد أرهقت إحساسكم لطلب المعرفة الصافية، وما أنتم في نظري إلا عبيد الملذات لأنكم أنتم أيضاً تحبون الأرض وما عليها ومنها. لقد عرفت طويتكم فإذا في حبكم ما يخجل وما يفسد الأخلاق، فما أشد شبهكم بكوكب الليل.
لقد أقنعوكم بأن تحتقروا كل ما ينشأ من التراب، ولكن هذا الإقناع لم ينفذ إلى أحشائكم، وأحشاؤكم هي أقوى ما فيكم؛ وهكذا أصبح عقلكم خجلا من سيطرة أحشائكم عليه، فهو يتبع الطرق الخفية المضلة فزعا من حجله. أنصتوا إلى مناجاة عقلكم لنفسه فهو يقول: ليت لي أن أرتقي إلى حيث أنظر إلى الحياة محررا من الشهوة فلا ألهث أمامها ككلب يدلي