وإذا كان ميكيلانجلو قد ظهر أمامنا بعد استعراض منحوتاته، دائم الطموح نحو الكمال الإنساني، ساعياً وراء المثل العليا في التكوين الإنساني والموضوعي، مهتما تمام الاهتمام باختيار المواقف العنيفة التي خرج بها عن المألوف من ناحية الإنشاء الوضعي والتي مقتضاها أن أظهرت تفاصيل الجسم على أقوى ما يمكن ظهورها به؛ فإن هذا نفسه كان الاتجاه الذي سار فيه والهدف الذي رمى إليه في التصوير الذي لم يجمع فيه بين المناظر الشخصية مفردة كانت أو مجتمعة وبين الطبيعة إلا فيما ندر، مخالفاً في ذلك ما رأيناه عند ليوناردو دافينشي (راجع المقالين الخاصين به)
ويشعر المشاهد لمصوراته عموماً كأنه واقف يستعرض تماثيل مجسمة لا صور أو لوحات مسطحة، ومن هذا نستطيع أن نكون لفنه التصويري طابعاً مميزاً وروحاً خاصا، وهو أنه كان مصوراً نحاتياً أكثر منه مصوراً بحتاً، إذ أن كل مصوراته تمت بصلة كبيرة إلى قواعد النحت، أكثر من انتمائها إلى قواعد التصوير.
على أن مصوراته هذه لم تكن مرسومة بالزيت كما يعتقد كثير من الناس، بل كانت تصويراً على الجص الطازج، وهذه الطريقة التي تتلخص في التصوير بألوان الماء على طبقة رقيقة من الجص أو الجير قبل جفافه هي التي يعبر عنها رجال الفن بتصوير الفرسكو
وقد صور بعض مصوراته بطريقة أخرى. وذلك أنه أخذ الألوان الطبيعية من الأرض وأضافها إلى محلول الغراء والعسل، وعندما أراد التصوير بها أضاف إليها الغراء الكثيف أو بياض البيض واستعملها مباشرة ولعلنا بدرسه على ضوء أبسط أصول تاريخ الفن نضطر إلى تقسيم تراثه إلى ثلاث مراحل تستغرق كل مرحلة منها نحو ثلاثين سنة، على اعتبار أنه عاش حوالي التسعين
وتنحصر المرحلة الأولى بين سنة ١٤٧٥، ١٥٠٥ وهي التي قضى معظمها كنحات، وقد سبق لنا درسها، وله فيها ثلاث قطع لا تزال باقية، أولها صورته (دفن المسيح) وثانيهما (مادونا مانشيستر) وتشمل مريم ويسوع ويوحنا وأربعة ملائكة والروح الغالبة على هذه اللوحة ظهور البساطة بأجلى معانيها، مع عظمة التكوين الإنساني، وهذه سابقتها محفوظتان بجاليري لندن غير كاملتين.