للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بوادره في تلك المحاكمات الدموية الرنانة، إنما هو نذير تطور جديد في الثورة البلشفية لم تكتمل عوامله بعد؛ ويلاحظ أن هذه الإجراءات الدموية التي يجد ستالين في اتخاذها إنما تقترن بصدور الدستور السوفيتي الجديد الذي تم وضعه في الصيف الماضي، ثم صدر في ديسمبر سنة ١٩٣٦. بيد أنه يجب لكي نفهم عوامل هذا التطور الأخير، أن نرتد إلى الوراء، لنرى كيف نشأ الصراع بين ستالين وخصومه، وكيف أن هذا الصراع يرتبط أشد الارتباط بتطور التجربة الشيوعية في روسيا

كانت الثورة البلشفية تقوم عند بدايتها على دعائم ثلاثة: الشيوعية المطلقة، وسيادة الكتلة العاملة، وإضرام نار الثورة العالمية؛ وكان لنين رأس المذهب الجديد وزعيم الدولة الشيوعية الجديدة يستمد كل وحيه من تعاليم إمام المذهب وأستاذه الأكبر كارل ماركس؛ ولكن التجربة الشيوعية لم تلبث أن اصطدمت من الوجهة العملية بمصاعب اقتصادية واجتماعية خطيرة، ولم يلبث لنين نفسه أن أقتنع بوجوب الاعتدال في تطبيق التجربة والأخذ بسياسة اقتصادية جديدة تغفل فيها بعض المبادئ الشيوعية المتطرفة، وتدمج فيها بعض المبادئ الرأسمالية من (البورجوازية). وبدأ لنين بتطبيق هذه السياسة الجديدة منذ سنة ١٩٢١ ولكنه لم يلبث حتى توفي (يناير سنة ١٩٢٤) وكانت وفاة لنين في الواقع فاتحة هذا الصراع الذي تجوز الثورة البلشفية أطواره من ذلك الحين؛ فقد تولى مقادير الأمور بعد لنين ثلاثة من خاصة أصدقاءه وأعوانه وهو سنوفييف وكامنيف وستالين؛ ولكن قطباً آخر من أقطاب البلشفية هو ليون تروتسكي مؤسس الجيش الأحمر (الجيش البلشفي) وأعظم رجل في الثورة بعد لنين كان يسهر على مصاير الثورة ويحاول أن يسير دفتها طبق آرائه، وبينما كان ستالين وزملاؤه يتوسعون شيئاً فشيئاً في تطبيق السياسة الاقتصادية الجديدة، وهي تنطوي بالأخص على الاعتراف بالملكية الصغيرة، ومهادنة الدول الرأسمالية والتعامل معها، ومراعاة الاعتبارات الزراعية والتجارية والصناعية في الإنتاج، كان تروتسكي يعمل لمعارضة هذه السياسة ويرى أنها خيانة للثورة والمبادئ الشيوعية الصحيحة، وكان تروتسكي يشدد بالأخص في وجوب إضرام نار الثورة العالمية ويرى أنها هي السبيل الوحيد لظفر الاشتراكية، هذا في حين أن ستالين وفريقه يرون الاقتصار على تطبيق التجربة الاشتراكية في روسيا وحدها ويرون نجاحها محققاً دون

<<  <  ج:
ص:  >  >>