للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الثورة العالمية؛ وكان تروتسكي بماضيه الثوري الحافل وصداقته المؤثلة للنين، وما له من فضل عظيم في نجاح الثورة البلشفية، ونفوذ قوي في الجيش الأحمر، عماد الثوريين المتطرفين ومعقد آمالهم، ولكنه لم يحسن استخدام هذا النفوذ وتوجيهه؛ ومن جهة أخرى فقد استطاع ستالين وفريقه أن يستغلوا الظروف الاقتصادية، وأن يعتمدوا في تنفيذ سياستهم على الرجال الإداريين؛ واستمر النضال بين الفريقين يشتد ويتفاقم، ولكن ستالين استطاع أن يقوي مركزه ونفوذه شيئاً فشيئاً داخل الحزب الشيوعي وخارجه، وأن يعمل على أضعاف خصومه وتسفيه معارضتهم وسياستهم، ولما شعر بأنه غدا هو الأقوى والأشد ساعداً ونفوذاً، رفع القناع فجأة، وأخذ يطارد تروتسكي وشيعته جهاراً؛ وكان يعتمد في المبدأ على مؤازرة عدة من أكابر الزعماء مثل سيونيف وكامنيف وتومسكي وريكوف وغيرهم، فلما شعر أنه يستطيع العمل دونهم أنقلب إلى مطاردتهم، فانضم هؤلاء إلى الفريق المعارض؛ ونزل ستالين وشيعته إلى ميدان النضال، واستطاع تباعا أن يقضي على خصومه وأن يخرجهم من حظيرة الحزب الشيوعي الذي هو كل شئ في حياة روسيا العامة، والذي يسيطر ستالين باعتباره سكرتيره العام على توجيهه واستخدام نفوذه وسلطانه؛ ثم خطا ستالين خطوة أخرى، فنفى تروتسكي وشرد الزعماء من أنصاره، وشتت شمل المعارضة كلها سنة (٩٢٩) واستأثر عندئذ بكل نفوذ وسلطة وغدا سيد روسيا وزعيمها القوي، وأخذ يوجهها في الطريق الجديد الذي اختاره لها؛ فوضع مشروع السنوات الخمس لتنظيم الإنتاج الروسي، وهو المشروع الذي قلدته فيه ألمانيا وإيطاليا بعد، وعمل على التقرب من الدول الغربية، وكان من أثر هذه السياسة أن انضمت روسيا إلى عصبة الأمم، وتفاهمت مع فرنسا تفاهما انتهى بعقد الميثاق الروسي الفرنسي؛ وجد ستالين في تسليح روسيا ولا سيما منذ قيام الوطنية الاشتراكية (الهتلرية) في ألمانيا حتى غدت اليوم أقوى دول القارة في التسليحات البرية والجوية، وبذلك اجتنبت روسيا عزلتها السياسية القديمة، واتخذت مكانتها في السياسة الأوربية العامة إلى جانب الكتلة الديمقراطية، وأضحت عاملا حاسما في التوازن الأوربي.

على أن المعارضة القديمة التي لبث تروتسكي روحها وزعيمها لم تخمد ولم تسحق، فقد أستمر تروتسكي في منفاه في مختلف البلاد الأوربية يشهر بقلمه ولسانه حرباً عواناً على

<<  <  ج:
ص:  >  >>