بعد أن هزم الإسكندر جيش فارس الهزيمة الأولى، تقدم بجيشه نحو (طرسوس)، وهي مدينة حصينة من مدن آسيا الصغرى، تعرف في التوراة باسم (طرشيش)، وجاء عيون الإسكندر يخبرونه بأن الجيش الفارسي قد عزم على أن ينهب المدينة ويحرقها إذ لم يبادر الإسكندر باحتلالها. فترك قائده الأكبر (قرمنيون) على رأس المشاة وتقدم الفرسان منحدراً من الجبال الهاوية بمقربة من البحر، إلى السهل الذي تستوي فيه طرسوس، وجد في السير، حتى يتسنى له أن ينقذ المدينة قبل أن يفعل بها الفرس، والسهل الذي تستوي فيه المدينة شديد الحر كثير الرطوبة، وقد افرغ الإسكندر على جسمه درعه الثقيل وعدة حربه، ممتطياً صهوة جواده الصَّوَّال (بُوقيفالوس)، فقطع أميالاً من الوهاد والوديان، حتى إذا أشرف على المدينة، كان قد بلغ منه العطش، فنزل على ساحل نهر (البَرَدَان) وخلع درعه وأستحم في النهر، والظاهر أن هذا النهر ينبع من الجبال ويستمد ماءه من ينابيع باردة، فماؤه مثلج بفطرته، ولقد أصاب المأمون مرض إثر استحمامه في نهر البَرَدان فمات، ولقد أوشك الإسكندر أن يموت، كما مات خليفة المسلمين من بعده؛ ولزم الإسكندر فراشه بعد أن دخل (طرسوس) وشاع أن حياته في خطر.
كان من الأطباء الذين يعنون به طبيب شيخ يدعى (فليب الأكرناني)؛ وكان من قبل طبيباً لأبيه ومن المتفانين في خدمة بيت مقدونيا المالك؛ وقد أقر جميع الأطباء بأن الإسكندر ميؤوس منه، إلا هذا الرجل، فأنه نصح الإسكندر أن يذعن إلى رأيه وأن يشرب جرعة سيعدها له بنفسه، ورضى الإسكندر بذلك على رغم عناده، وخرج الطبيب من حجرة الملك المريض ليعد جرعة الشفاء.
في اللحظة التي خرج فيها الطبيب إلى الحجرة، دخله رسول من قبل قائده (قرمينون) يحمل رقعة في يده، فقدمها إلى الإسكندر؛ وكانت تحذيراً للإسكندر من طبيبه (الأكرناني) فقد أتصل بسمع القائد أن الطبيب مالأ الفرس عليه وأنه تلقى منهم رشوة ليدس له السم في الدواء.
كان الإسكندر قد أتم قراءة الكتاب لما دخل عليه الطبيب حاملاً الجرعة التي أعدها، فتناول الإسكندر الجرعة بيده اليمنى وناوله الرقعة بيده اليسرى؛ وطفق الإسكندر يكرع الجرعة، والطبيب ينظر في الرقعة نظرات جامدة حيرى؛ ثم ناول الإسكندر الكأس الفارغ للطبيب،