وناول الطبيب الرقعة للأسكندر؛ ونظر كل من الرجلين في وجه الآخر برهة، ثم استلقى المريض على فراشه، وانصرف الطبيب إلى شأنه، من غير أن ينبس أحدهما ببنت شفة.
ألست تجد في هذا الحادث الصغير معنىً عظيماً يدلك على أن القلب الذي حمله الإسكندر كان جديراً بأن يفتح العالم ويدوخ الدنيا برمتها؟
حاجة اللغة العربية:
وقد تكون لغتنا العربية السمحاء في حاجة إلى كثير من وجوه الإصلاح. قد نقول بأن كتب النحو غامضة وأن قواعد الصرف مشتتة، وقد نقول إن أدب العربية لم يخدم بعد الخدمة الواجبة، بل نقول إن اختلاف مذاهب النحويين، وجمود الكثير من اللغويين أمر لا بد من النظر فيهما وإصلاح شأنهما بما يلائم حاجات أبناء العربية في هذا العصر، كل هذا وأكثر منه صحيح، والحاجة إليه ماسة؛ غير أن أحوج ما تحتاج إليه اللغة العربية المعجمات؛ وأول ما نتكلم في المعجمات القديمة
أما هذه فأما مطولة ترضي نزعة الباحث الذي تمكن من الأدب وربي فيه الذوق الأدبي، فأدمن البحث وطلب الاستقصاء؛ وإما مختصرةً اختصاراً مخلاً في كثير من نواحي الإرشاد اللغوي؛ وليس بين هذين وسط يسد طلبة الأديب العابر في رياض الأدب عبور المستفيد، فلا هو بالمستقصي ولا هو بالقانع بما بين يديه، وهؤلاء هم جمهرة الأدباء عندنا، بل وفي كل الأمم. ناهيك بأن معجماتنا القديمة قد تركت كل مادة علمية من المواد التي عرفها العرب ودرسوها من غير تعريف؛ فهذه دويبة، وذاك طوير؛ وهذا نبت يكون في العراق، وذلك عرق في الساعد أو الزند؛ وكذلك صفة الأمراض، أفي الإنسان كانت أم في الحيوان، فقد قرأت في صبح الأعشى من عيوب الخيل ما يزيد عن المائة عيب، كلها، كما اعتقد، تمت إلى أمراض؛ غير أنك قلما تقع على عبارة تشخص لك المرض أو أعراضه الصحيحة؛ فمعجماتنا ناقصة من هذه الوجهة نقصاً شائناً، ناهيك بأن في كتب الأدب والتاريخ والخطط والشعر والتراجم ألفاظاً لم تدخل المعجمات القديمة؛ ولا نقصد بذلك الألفاظ المولدة، بل نقصد بها ألفاظاً فصيحة صحيحة، فالمعجمات القديمة إذن لم تحط بكل ما في العربية من مادة لغوية؛ وهذا نقص نضيفه إلى ما عددنا قبل.
نتكلم بعد هذا في أنواع المعاجم التي نطالب الآن بوضعها لتتم حاجة اللغة؛ وأول ما نحتاج