وأخطر تبعة، وبمقدار قوته أو ضعفه تتكون - إلى حد كبير - عقلية الأمة. .) ولكني مع ذلك لا أشاطره الرأي بأن جزءاً كبيراً من ضعف اللغة يرجع إلى المعلمين. فما المعلمون في مدارسنا - وأنا واحد منهم - إلا أدوات عاملة بغير إرادة: ليس لهم حرية في العمل ولا خيرة في الطريقة، ولا فكرة في التنفيذ؛ وإنما يشرع لهم الشارع في وزارة المعارف وعليهم الطاعة العمياء والإرادة الخرساء. قد يكون عيباً في المعلم أن ينزل عن رأيه بهذا الهوان؛ ولكنه يريد أن يعيش، ومن ورائه المفتش، والمفتش الأول، والمراقب، والوزير؛ كل هؤلاء عليه عيون لواحظ، ليس عليهم أن يوجهوه أو يروا له الرأي الصالح بمقدار ما عليهم أن يحصلوا عليه مخالفاته لما أرادت الوزارة من الخطة والمنهج والنظام. .
وأراني قد بينت للأستاذ موقف المعلم ومكانته في المدارس المصرية، مسوقاً إلى أن اعتب عليه أن ينال معلمي اللغة العربية ودار العلوم بما يشبه أن يكون مصدره فكرة قديمة مستقرة في موضعها من فكرة الكاتب الجليل لا تتصل بموضوع البحث من قريب أو بعيد! وإلا فأين هذا الموضوع من دعواه بأنه خريج دار العلوم أصبح لا يحذق الأدب القديم ولا الأدب الحديث، ولا يستطيع تغذية الشعب بالأدب الذي هو بحاجة إليه. . .؟
إننا هنا نتحدث عن ضعف اللغة العربية في المدارس لا ضعفها في الأدب العام الذي يغذي الشعب ويساير النهضة؛ ولو كان هذا هو الموضوع لاستطاع أن يجد البراهين في كل ما يكتب الكتاب وينشئ الأدباء منذ نيف وستين عاماً، وكلها شاهدة بما لدار العلوم من أثر على اللغة في هذا القطر وفي الأقطار العربية عامة، وما أرى الأستاذ يستدرك فيعترف بأنه من خريجي دار العلوم أفذاذاً نابغين يصح أن يكونوا المثل الذي ينشده إلا مجاملة لطائفة من أصدقائه وزملائه في الجامعة، وما تغير هذه المجاملة شيئاً من وجه الرأي، وما تغير شيئاً من الحقيقة التي يلحظها كل من يقرأ مقالة الأستاذ الكبير، وهي أنه خرج من البحث في كفاية خريجي دار العلوم باعتبارهم معلمين، إلى البحث في كفايتهم باعتبارهم كتاباً وأدباء ومنشئين أثروا تأثيرهم في الأدب العام أو لم يؤثروا، وما هذا مصدر البحث ولا مورده. . .
وما أريد أن أطيل في هذا العتب، فأن هنا (النقطة الشائكة) التي كان هم الأستاذ أن يتحاشاها، وكان همي لولا (الواعية الباطنة) التي أقحمتها في غير موضعها من مقال