على أن هنا حقيقة لا ينكرها أحد ولا يغفل عنها أحد، هي أن المطالعة عند كل المشغولين بالمطالعة - عادة لازمة أكثر مما هي وسيلة من وسائل العلم، فإذا لم يعود الطفل على أن يقرأ منذ حداثته فهيهات أن يمكن حمله على المطالعة المثمرة من بعد؛ وهنا سر انصراف شبابنا عن المطالعة والأدب إلى ذلك اللغو وتلك الدعاوى الفارغة التي تملأ أفواههم عن الأدب والتجديد.
ومن ثم يجب أن نبحث أول ما نبحث في نقص المكتبة العربية للأطفال، ثم من يليهم، ثم من يليهم، إلى أن نبلغ الطبقة التي نجد فيها من يقرأ أمثال الأغاني والأمالي وعيون الأخبار والطبري وغيرها من تراثنا الأدبي الذي لا نجد من يقبل عليه إلا القليل من قراء العربية.
وأنني أؤكد للأستاذ أحمد أمين أن المكتبة العربية لم تضعف هذا الضعف لعجز في المعلمين أو نقصٍ في كفاية القائمين على شئون اللغة العربية، ولكن وسائل التخذيل وقلة المكافأة. . . وقد عالجت طائفة غير قليلة من أدباء العربية هذا النقص في مكتبة الأطفال، وكان خليقاً أن يبلغوا بها مبلغاً تطمئن إليه، لولا قلة المكافأة وسوء التقدير، وأنا نفسي ما زال أعاني أزمة عنيفة بيني وبين نفسي من جراء محاولة من هذه المحاولات لا صلاح مكتبة الطفل، صرفتني عن العمل لغيرها وقطعتني عن الجو الأدبي الذي كنت أعيش فيه والذي كنت أهيئ نفسي لمنزلة في الغد هي أجدى علي وأنفع، وجعلتني غرضاً لسهام اللوم من أصدقائي الذين كانوا يحسنون الظن باستعدادي الأدبي، والأستاذ الزيات صاحب الرسالة أول هؤلاء اللائمين، مع إعجابه بما أقدم للطفل العربي من أدب سائغ. وهاأنذا ما أزال في المحاولة، ومازلت أطمع في أن أبلغ بالقصص المدرسية - أصدرها مع زميلين من زملائي - مبلغاً أقتنع فيه بأني قد أسديت يداً إلى المكتبة العربية واحسبني قد سمعت مرة من الأستاذ أحمد أمين ثناءً على عملنا كان خليقاً بأن يحملني على الثبات ومضاعفة الجهد في هذه المحاولة؛ ولكن عملاً كهذا يا سيدي لا يجزئ فيه أن أسمع كلمات الثناء وعبارات التشجيع وأنا أبذل فيه من أعصابي ومن مالي وعمري ولا مكافأة ولا تعويض. أفيحسب أستاذنا الجليل أن سعيد العريان ومعه مائة مثله من معلمي اللغة العربية في مدارس الحكومة يستطيعون أن يسدوا هذا النقص في المكتبة العربية ووزارة المعارف لا