للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

نقصها عليه بلسان عربي سلس الأداء واضح النبرات مفهوم المعنى، ثم نطلب إليه أن يعيد ما سمع بلغة كالتي تحدثنا بها إليه ولا تخرج عن قاموسه الذي نعرفه كلمة كلمة لأننا نحن الذين أمليناه عليه كلمة كلمة في هذه الأحاديث والقصص التي روينا له، ولا نفتأ كل يوم نزيد في معجمه اللغوي كلمات وأساليب فيما نتحدث به إليه؛ فإذا بلغنا به مبلغاً ما بهذه الوسيلة فلنفكر حينئذ في تلقينه قواعد اللغة وموازين الكلام الصحيح لا على أنها قواعد جديدة يجب أن يدرسها، ولكنها على أنها جزء غير مسموع من الكلام الذي سمع، ونطق غير ملفوظ من الكلام الذي تحدث به. وهنا نقطة يجب أن لا تغيب عن أحد من المشتغلين بالتعليم، هي أن هذا ليس واجب معلم اللغة العربية وحده، ولكنه واجب عام ينتظم المعلمين جميعا؛ وإلا كان عبثاً ما يحاوله معلم العربية، فما يعالج هو تقويمه من ألسنة التلاميذ بالقدوة والمثال تفسده الرطانة الأعجمية في لسان باقي المعلمين.

هذا هو الأمثل بأن يؤدينا إلى الهدف الذي نريده لو أخلص العاملون، فليجربه من شاء ثم يحدثني عن النتيجة؛ فأنا نفسي قد حاولت هذه الطريقة في بعض الفرق (على غفلة من المفتش وغفلة من المنهج. . .) فما ادعوا إليها إلا مقتنعا بها مؤمناً بنتيجتها.

والآن وقد وصلت إلى هذه النقطة من الموضوع، أراني مع الأستاذ أحمد أمين في الحديث عن المكتبة العربية؛ فلو أنني زعمت له ولنفسي إن عندنا المعلم الكفء الموهوب الذي لا يمل الحديث مع تلاميذه بلسان عربي مبين جذاب ليزودهم بالغذاء المريء والنموذج الصالح من متن اللغة وأساليبها، لما وسعني الزعم بأن عندنا الكتاب الذي يصلح أن يكون لهذا التلميذ أستاذاً في غيبة أستاذه؛ يعطيه ما يعطيه المعلم من متن اللغة وأساليبها في عرض جذاب يحبب إليه مطالعته والتزود منه ثم يحمله من بعد أن يحرص على المطالعة لتكميل ثقافته ويجعل لها وقتاً من وقته طوال حياته في زمن التخرج وبعد التخرج.

ولو أنني زعمت أن عندنا هذا الكتاب لكذبتني وزارة المعارف التي لا تعطي تلاميذ مدرستها الابتدائية إلا كتابا واحدا للمطالعة العربية ألفه مؤلفه في القرن الماضي. . . وما يزال حيث كان! على حين تعطي هذا التلميذ نفسه بضعة كتب للمطالعة الإنجليزية قد تبلغ ستة كتب أو سبعة في السنة الدراسية، ثمن الكتاب منها يبلغ ضعف كتاب المطالعة العربية، وهي دقة بالغة في تنفيذ سياسة الاقتصاد. . .!

<<  <  ج:
ص:  >  >>