كذلك تحتم هذه الجامعات على طلب التخصص في الفلسفة الإغريقية دراسة اللغة اليونانية القديمة للعلة نفسها بخصوص هذا الموضوع من الفلسفة عامة، ولكن أمصطلحات فن دراسة الأدب العربي مشتقة كذلك من اللغة اللاتينية أو اليونانية مثلا؟ أم ذلك هو التقليد (والتجديد)؟
كذلك يجد الباحث الاجتماعي نظرية التقليد هي أساس محور التعديل والتغيير في التشريع المصري. فعند قراءتي:(يوميات نائب الأرياف) للأستاذ توفيق الحكيم في مجلة (الرواية) أستوقف نظري حكاية حادثة قضائية هي نفسها تعد من الحوادث اليومية العادية، ولكنها تعطي للباحث صورة واضحة عن هذا التقليد:(سيقت امرأة ريفية إلى الوقوف أمام محكمة جزئية للحكم عليها، لأن جريمتها أنها غسلت ملابس في ترعة عمومية، فلم يجد القاضي بداً من تغريمها، لأنه أمام نص قانوني) هذا النص القانوني أقتبس من النص الفرنسي الذي هو نتيجة لازمة لمخالفة نظام قائم في فرنسا. هذا النظام القائم هو أن البلديات هناك شيدت أولاً أحواضاً عامة للفقراء للغسل والاستحمام تسهيلا لهم من جهة، ومنعاً لانتشار الجراثيم في مياه عمومية من جهة أخرى، ثم شرعت بعد ذلك هذا النص وهو تشريع طبيعي. فتعديل القانون المصري وإدخال هذا النص الفرنسي فيه دون أن يكون بريف مصر منشئات مثل هذه، تعديل لم يراع فيه إلا التقليد من ناحيته السلبية، ولم يلاحظ بأي حال أسلوب المعيشة في قرى مصر وحالتها الاجتماعية وعوائد أهلها.
وليست أمثال هذه الحوادث القضائية هي التي تظهر فقط أن أساس تعديل القوانين في مصر هو التقليد، بل ما زال بعض كبار رجال القانون المصري المسئولين يباهي ويفتخر بأن التشريع المصري الحديث أصبح يضاهي أحدث القوانين لدى الأمم الراقية. ولكن الأمم الراقية نفسها إذا افتخرت بقوانينها فإنما تفتخر لأنها وفق حضارتها وثقافتها، وفق حالة شعوبها الاجتماعية والاقتصادية؛ وبالعكس تسخر من الشعوب الأخرى التي تحاول تقليدها في تشريعها لذات التقليد وحب الانتساب إلى الرقى والمدنية في شكلها الظاهري. فكثير من الشعوب الغربية يعيب تركيا الحديثة في اقتباسها القانون السويسري مثلاً في أحوال العائلة، والقانون الفرنسي في المسائل المدنية والتجارية - مع إن العائلة التركية لا تجتمع مع العائلة السويسرية إلا في النسبة البشرية؛ أما التربية، أما الغرائز النفسية، أما العادات