المتناقلة فشتان ما بينها من اختلاف -. التقنين عند تلك الأمم الراقية ليس عملية هينة يقوم بها القانون وحده، وإنما ساعده الأيمن في ذلك العالم النفسي الذي يبحث في تكييف صفات الشعب النفسية، والعالم الاجتماعي الذي يربط ظواهر الأمة الاجتماعية بأسبابها ويقارن بينها وبين ظواهر أمة أخرى، والعالم الاقتصادي الذي يبحث أسباب ضعف أو ارتفاع ميزان الأمة التجاري وحالة معيشتها.
فالتعليم والتشريع إذا في مصر الحديثة كما يراه أي باحث اجتماعي نفسي أساسه التقليد أو على الأقل هو الجزء الأعظم المكون لهذا الأساس، أما العوامل الوطنية المحلية فنصيبها في ذلك ضئيل. وما يسمى بالحركة الوطنية لا يتجاوز للآن أن يكون حركة صورية فحسب لم تنفذ بعد إلى الباب بل ربما يقال عنها أيضاً إنها تقليدية.
تعليم وطني، تشريع وطني وحركة وطنية في مصر - لم تزل كلها بعد ألفاظاً معانيها غير محدودة، وخيالات لم تقابلها إلى الآن حقائق راهنة. نعم هنالك المواد الأولية لبناء حركة تعليمية تشريعية وطنية، هنالك عادات للأمة، هنالك مقاييس خلقي - وليكن فيها بعض نواحي النقص أو الضعف أو الانحطاط فمعالجة ذلك موكولة إلى المصلح الاجتماعي - ثم هنالك دين ولغة تتمثل فيهما ثقافة الأمة الموروثة كما تتمثل في أبي الهول وأهرام مصر مدنيتها القديمة؛ هناك أيضاً البناء الذي ينقصه فقط الإتمام والتوسيع، هنالك الأزهر الذي رجع بنظره الآن إلى ألف عام مضت - وهو لم يتقوض ولن يتقوض - كمصدر لهذه الثقافة الوطنية، كمصدر لهذا التشريع الوطني. ذلك هو فخر مصر، فجامعة اكسفورد اللاهوتية، جامعة اكسفورد التي هي معقل الثقافة الإنكليزية القديمة الموروثة جيلاً عن جيل، معقل لتقاليد لم تزل وستبقى فخر الشعب الإنكليزي مادام اعتزازه بالمحافظة على التقاليد.
حركة وطنية ما هي إلا حركة رجعية، وليست تقليدية، حركتها تنظر إلى تراث الماضي لتبني عليه مجد المستقبل لا لتقوضه وتستبدل به غيره؛ فالتبديل معناه إنشاء خلق جديد على رغم الطبيعة وسنة الكون، وتلك محاولة شاقة لم تخطر ولن تخطر ببال مصلح اجتماعي عاقل، لأنها محاولة عبث وخيال لن يتحقق. تقليد وحركة وطنية شيئان لا يجتمعان في نظر عالم اجتماعي نفسي، لا يجتمعان في نظر زعيم وطني، وإن كانا قد