فتحات النوافذ، وقد أجاد تصويرها وكلها ترمي إلى نشر رسالة الخلاص والتبشير بانتهاء الجاهلية واليهودية. وأستطيع أن أقرر أن هذه المناظر أجمل وأعظم ما أبدعه فنان على مر القرون، فهي الكعبة التي يحج إليها كل فنان حيث يقف ناظراً مستلهماً، فيذهب به خياله إلى التسبيح بذكر العلي القدير الذي جعل من بين خلقه من استطاع الوصول بالفن إلى هذا الكمال. يقف المشاهد أمام هذا الخلق الرائع والجمال السامي والنبل العظيم كما لو كان في حلم هنئ فيشعر دون إرادة منه بعبيق العبادة يحيط به، ونقاوة القلب وصفاء الضمير يغمر كيانه، ويحس أنه قد تجرد من حاجات النفس المادية، ثم لا يلبث أن يرجع ببصره مطأطئ الرأس أمام العظمة الإلهية التي تمثلت خير تمثيل في إبداع العبقري الملهم
ولا بأس من أن نعرج قليلاً على ذكر بعض هذه المصورات التي أرى أن أهم ما يجب تعريفه للقارئ منها هو: صورة جرمياس وقد غطت وجهه تجاعيد الهم والتفكير والكرب، وصورة يونس والحوت. وصورة كاهنة عجوز ساحرة.
كما أن له صوراً قصد بها التحلية ولم يسمها وهي تشمل رجالاً وأطفالاً، وقد عرت جسوم الأولين، ويستوقف المتأمل في هذه الصور جمال التفاصيل وقوة الإخراج، والإبداع في إبراز الحركات الجسمانية كاملة قوية مما يجعلها تنبض بالحياة وتتحدث عن عظمة الفن.
ومن هذا نرى أن السقف السكستيني هو أعظم إنتاج وصل إليه ميكيلانجلو، ليس في هذه المرحلة الثانية فقط؛ بل في حياته كلها، لأنها مثلت القدرة الفائقة في الخلق الفني الأسمى والتفوق الرائع في التعبير عن المثل الأعلى، كما تعرفنا بعينيه المحيطتين اللتين نظر بهما إلى الحياة فتغلغل إلى كنهها.
وسافر بعد هذا إلى فلورنسا وهناك لا نعرف له إلا صورة واحدة أسماها (ليدا والبجعة) وهي مصورة بطريقة تمبرا (راجع المقال السابق) أتمها سنة ١٥٣٠، وللأسف توجد في أسوأ حال بالناشيونال جاليري بلندن.
وكان أهم عمل له في المرحلة الثالثة صورته (ليوم القيامة) وهي هائلة عملها بالفرسكو على حائط الهيكل السكيتيني من سنة ١٥٣٥ إلى سنة ١٥٤١، وتشمل السيد المسيح كقاضي العالم وإلى جواره مريم وحوله القديسون وبالقرب منه صورتان رسمت كل منهما في نصف دائرة ممثلة مجموعات من الملائكة.