للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أعتقد بأنه ليس وحيدا. وأن العزلة أو الابتعاد عن الكيان الإنساني قد انتهى سلطانه، ويا للوهم!

المرأة هي اشد قلقاً منا بهذه الحاجة الملحة للحب الثابتة التي تأكل قلبنا المنعزل، وهي الأكذوبة الكبرى من الحلم إنك لتعرف هذه السويعات الجميلة التي نقضيها مع هذا الكائن التي طالت غدائر شعره، وراقت ملامحه أو فتكت لحاظه، فأي هذيان يملك علينا أرواحنا؟ وأي وهم يغمرنا؟

أنا وهي لم نكن إلا واحداً في هذه الساعة، ولكن هذه الساعة لن تحين، وبعد أسابيع انتظار وأمل وفرح خادع، أجد نفسي فجأة أكثر انعزالاً ووحدة من أي عهد مضى! فبعد كل قبلة وبعد كل عناق أجد العزلة تتسع آمادها، ويا لها من عزلة مروعة مؤلمة!

يقول الشاعر (سوللي برودوم)

ليس العطف والحنان إلا هيماناً مقلقاً

كلها تجاريب باطلة يقوم بها الحب التاعس مجربا (الاتحاد المحال) بين (الأرواح والأجساد)

وثم وداعاً، فقد انتهى كل شيء، على أن هنالك جهدا في معرفة المرأة التي كانت كل شيء لنا، وفي لحظة من الحياة، وما عرفنا ولن نعرف الفكرة الباطنة والسطحية من دون ريب! وفي الساعات ذاتها حيث يخيل إلينا أن الأكوان أصبحت في عهد اتحاد سري وامتزاج كامل للرغاب، تنزل إلى أعماق نفسها، وكلمة قد تكون تبدي خطأنا، وتطلعنا - كأنها البرق الوامض في الليل - على الهاوية التي تفصل بينها وبيننا!

وهنالك ما هو خير وأحسن في الوجود؛ أن تقضي أمسية مع امرأة تحبها دون أن تتكلم، سعيداً كل السعادة، مغتبطاً بمجرد قيامها إزاءك. حاذر أن تطلب أكثر من هذا، لأن امتزاج كائنين مستحيل.

أما أنا الآن فقد غلقت أبواب نفسي، لا أقول لأحد عما أعتقد، ولا أظهر ما أفكر، أنظر إلى الأشياء، وأنا عالم ما تحمله إلى العزلة المروعة - دون أن أعلن عنها، وما عسى تهمني الأفكار والمشاحنات والمسرات والاعتقادات؟ لا أستطيع أن أقاسم أحداً فكرة، نفسي تتنصل من كل شيء، وفكرتي الباطنة تظل خافية على الناس، وعندي جملة عامة لكي أجيب بها

<<  <  ج:
ص:  >  >>