للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحال في ذرات الجسد.

وهكذا الإنسان لا يدري ما يجول في صدر رفيقه الإنسان وإن واحدنا لأكثر بعداً عن الآخر من هذه الكواكب السابحة، وأكثر اعتزالاً لأن الفكر لا يسبر غوره.

هل تعلم شيئاً أبعث على الهول من هذا التماس الخاطف في الأكوان الذي لا نستطيع إدراكه. إننا نحب بعضنا بعضا كأننا مقيدون مبسوطة أذرعنا دون أن نقدر على ضم. على أن حاجة ضرورية للاتحاد تؤلفنا، ولكن جهودنا لا تزال ضائعة، وثقتنا غير مجدية، وعناقنا ضعيف، وحناننا باطلاً، فإذا أردنا اتحاداً لم تعمل مطامعنا إلا على إقصاء واحدنا عن الثاني.

إنني ما شعرت أنني (واحد) إلا حين استسلم لصديقي وافتح قلبي له. إذ أفهم ذلك الحاجز القائم بيني وبينه. هو هنالك، ذلك الإنسان، أرى عينيه تسطعان حولي ولكن نفسه - وراءها - لا أدركها. هو يسمعني، ولكن فيم يفكر؟ أجل! فيم يفكر؟ إنك لا تفهم هذا القلق، إنه ربما يقليني، أو يحقرني، أو يسخر مني، إنه يفكر فيما أقول، يناقشني، يحكم علي، يراني أبله أو أحمق. وأنى لي أن أدرك ما يفكر فيه؟ وأنى لي أن أفهم هل يحبني كما أحبه؟ وما يجول في هذه الجمجمة المستديرة!؟ وأي سر هذا الفكر المجهول في كائن: الفكر المتواري الحر الذي لا نقدر على معرفته ولا قيادته، ولا الاستيلاء عليه، أو الظفر به؟

أنا، أردت بكل نفسي أن أسلم نفسي كما هي وأفتح أبواب نفسي جميعها. ولكني لم أقدر على هذا الإسلام كله، لأنني أصون في أعماق نفسي (مكان ذاتي الخفية) حيث لا يظهر أحد ولا يقدر أحد أن يكتشفه أو يدخله، لأنه لا أحد يشبهني، ولأنه لا أحد يفهم أحداً!

أفهمتني أنت الآن؟ كلا! إنك لتحكم علي بالجنون، إنك تتأمل في، وتحترز مني! وتسأل نفسك: (ماذا به هذا المساء؟ ولكنك إذا قدر لك يوماً أن تدرك موضع الألم في فعد إلي لتقول لي: (قد فهمتك!) وحينذاك تجعلني سعيداً - ولو عمر لحظة -

هن النساء اللواتي جعلنني أحسن تقبل وحدتي، آه كم تذوقت من الألم في سبيلهن! لأنهن منحني، أكثر من الرجال، التوهم بأنني لست وحيداً!

عندما يحب الإنسان يحس أن عالمه قد اتسع، وأن سعادة - فوق السعادة الإنسانية - تغمره. هل تعلم سبب ذلك؟ وهل تعلم مصدر هذه السعادة؟ يعود مصدره إلى أن الإنسان

<<  <  ج:
ص:  >  >>