كل هذا جعل التلاميذ يهزؤون باللغة العربية ولا يعيرونها التفاتاً، ويحترمون اللغة الأجنبية والرياضة لان الاحترام عندهم تابع لنسبة النجاح، فكلما كانت النسبة قليلة كانت العناية بالعلم أقوى؛ وليس ينسى أحد منا العبارة التي تدور على ألسنة الطلبة وهي أنهم إذا سمعوا طالباً يجتهد في استذكار اللغة العربية قالوا: له (وهل يسقط أحد في العربي؟)
ثم لهم طريقة في التصحيح ليست صحيحة، فهم لا يقومون الورقة ككل، ولكن يجزئونها جزيئات صغيرة ثم يضعون درجة على كل جزيء فيحدث أن الطالب يأتي بأخطاء شنيعة تدل على الجهل التام ومع ذلك ينجح، حتى يخيل إليّ أن التلميذ إذا أعرب (في البيت) في حرف جر والبيت مفعول به منصوب لأعطوه ٥٠ % على صحة إعرابه (في) وخطئه في إعرابه (البيت)
ومالي اذهب بعيداً وقد حدث في هذا العام أن كانت فتاة قريبة لي تمتحن في البكالوريا، فجاءت يوم امتحان اللغة العربية وقالت: لقد أعربت (كفى حزناً) كفى فعل أمر وحزناً مفعول به، أليس كذلك؟ فقلت: نعم ليس كذلك، وقالت: لقد قلت إن من خطباء العصر الأموي أبا بكر الصديق وعلي بن أبي طالب، أليس كذلك؟ فقلت أيضاً: نعم ليس كذلك، وأطلعتني على بقية الأجوبة فأيقنت برسوبها؛ ولو كان لي الأمر ما أنجحتها مهما أجادت بعد هاتين الغلطتين الفظيعتين، ولكني دهشت اشد الدهش لنجاحها!
أنا كفيل بأن سنة واحدة توضع فيها ورقة الامتحان عملية اكثر منها نظرية، ويشدد فيها في التصحيح شدة حازمة تساوي الشدة في تصحيح الرياضة واللغة الأجنبية، كافية في أن يوجه الطلبة عنايتهم الكبرى للغة العربية فيزول الضعف وتحسن النتيجة
ولا ننسى أن التفتيش بعد ذلك له أثره، فلو حدد الغرض منه لبانت قوته الحالية أو ضعفه، فليس المفتش جاسوساً يضبط الجريمة، ولا هو عدّاد يعد موضوعات الإنشاء والتمرينات، ولا غرضه الأول أن يقول إن كلمة كذا ليست في القاموس، كلا ولا غرضه الأول أن يكتب عن المدرس أنه جيد أو ممتاز أو ضعيف، إنما مهمته الأولى حسن توجيه المعلمين إلى تحقيق الغرض من دراسة اللغة العربية والوصول بالطلبة والمدرسين والكتب والمناهج إلى أرقى حد مستطاع، وبمقدار تحقيق هذا الغرض أو عدم تحقيقه يكون الحكم على قيمة التفتيش