للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فهل من شك في أن (منتسكيو)، وهو رئيس محكمة (بوردو) العليا إنما يعبر بهذا عما قام في ذهنه عن ملوكية لويس الرابع عشر وخلفه، وأنه ذلك المؤلف الصيني، الذي يخيل إلينا أنه لم يوجد إلا في مخيلة مؤلف (روح القوانين) لم يقحم في هذا الموقف إلا ليكون مادة لضرب المثل، وإظهار المثلة؟ ليس هذا ببعيد. ذلك بأن (منتسكيو) يعرف تمام المعرفة، كما ذكر في غير الموطن الذي نقلنا عنه هذا القول، أن الملوكيات كثيراً ما فسدت وانحلت متأثرة بأسباب تختلف كل الاختلاف عن الأسباب التي ذكرها.

كذلك لا يستطيع المؤرخ أن يعزو كبير قيمة لنزعة هذا العبقري إلى الاستعانة بالعلوم الطبيعية. فإن قوله بأثر البيئة الطبيعية كان أمراً له في البحوث الاجتماعية والسياسية، إلى جانب الجدة والحداثة، خطره العلمي. غير أن هذا البحث مجلُواً في الصورة التي لابسته في ما كتب (منتسكيو)، وفي الصورة المحرفة التي ظهر بها في بحوث (روسو) لن يجد فيه المفكر الحديث مقنعاً، أو يقع فيه على حقيقة تنقع الغلة. فلقد عالج تطبيق العلوم الطبيعية على الاجتماعيات من وجهة هي على غرابتها وبعدها عن مناحي الفكر الحديث، تثير عند المحدثين اللذين يعرفون مرامي العلم العملي ومنازعه. كثيراً من الاستخفاف بها، والسخرية منها. ومثلنا على ذلك ما عالج به حالات إنجلترا الاجتماعية من الآراء التي بثها في فصلين من (روح القوانين) فإن آراؤه التي بثها في ذينك الفصلين، تحمل على القول بأن (منتسكيو) كان فيها إلى الهزل والمجانة. اقرب منه إلى الجد. ويزيدني بهذا الأمر ثقة أن فلاسفة القرن الثامن عشر لم يتعففوا عن النزعة إلى المجون، بجانب ما كان فيهم من حب النفع العلمي، والاستقامة في التفكير. وعندي أن (منتسكيو) لم يرم بما كتب في الفصلين السالفين إلا إلى الاستخفاف بقرائه الإنجليز. وما قولك في رجل يبدأ البيان عن حالات الإنجليز الاجتماعية بالكلام في تأثير طقس بلادهم، فيعزو إليه نزعة الإنجليز إلى الانتحار! ثم يحاول أن يعلل الصورة التي تلابس ميولهم القومية، فيقول أنها ترجع إلى صف الاستعداد الطبيعي على ترشح العصارة العصبية. وهذا قول لا يكفي أن يكون سبباً في تعليل ميول الإنجليز القومية لا غير، بل يكفي للقول بأن الشعب الإنجليزي مقضي عليه بالفناء جميعاً.

وهو يحاول في فصل تال أن يفسر تأثير ذلك الأمر على شكل الحكومة الإنجليزية فيقول

<<  <  ج:
ص:  >  >>