للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كتب أرسطوطاليس أو لادويرابس، وبين ما كتب (منتسكيو) وقعت على الفارق العظيم، والصدع النائي الذي يفصل (منتسكيو) في العصور التي تقدمته، والعصور التي تلته، وجملة الفارق بين الأساليب التي اتبعها القدماء والأساليب التي انتحاها المحدثون. فإن (منتسكيو) كان يتخذ من التاريخ مضربا للأمثال والمثلات، ليؤيد وجهة نظره، ولكنه لم يستمد من التاريخ بالذات تلك الآراء التي قامت عليها نظرياته السياسية، وليس عندنا من دليل على هذا أقوم من الدليل الذي ترجع فيه إلى الفصل الثامن من كتابه (روح القوانين) إذ يقول:

(كما أن الديمقراطيات تفسد وتنهار باعتداء الأمم على المحاكم العليا - البرلمان - والحكام والقضاة، واستلاب حقوقهم وخصائصهم، كذلك تسقط الملوكيات، أو هي تأخذ في الانحلال إذا مضت تسلب النقابات والجمعيات والمدن امتيازاتها الطبيعية والحالة الأولى مظهر لاستبداد الجماعات، والثانية مظهر لاستبداد الفرد.)

(إن السبب الذي اسقط أسرتي (تسن) و (سووي) كما يقول مؤلف صيني، إنما يرجع إلى أن أمراء الأسرتين لم يكتفوا من الحكم بالأشراف الأعلى على شؤون الدولة، كما كان شأن الأمراء في الأسر اللواتي سبقت في الحكم، وكما هو طبيعي أن يكون في ملوكيات رشيدة؛ بل حاولوا أن يتحكموا ويحكموا في كل شأن من الشئون بأنفسهم، وبغير واسطة. وكلمات هذا المؤلف الصيني، تعبر عن الأسباب التي يعود إليها سقوط الملوكيات في كل الأزمان.)

(إنما تسقط الملوكيات بأن تقوم في نفس الملك شهوة أن يظهر جبروته وسلطانه، فيحرِّف النظم المقررة ويفسدها، بدل أن يحافظ عليها ويرعاها. ومثل ذلك أن يغتصب الحقوق والامتيازات التي تقوم عليها بعض النظم من يد فئة، ويهبها باختياره، ولمجرد إشباع شهوته، لفئة أخرى، وان يحكم خياله وتصوراته في شؤون الدولة؛ دون عقله ونهاه.)

(تنهار ملوكية عندما يقدم ملك يحاول أن يحصر كل شيء في ذاته. فيركز الحكومة في عاصمته، ويركز العاصمة في بطانته وحاشيته، ويركز البطانة في ذاته؛ وفوق كل هذا يكون سقوط الملوكية سريعاً مروعِّاً، عندما يسيء الملك فهم سلطته ومركزه، وحب شعبه له، وعندما يغيب عن فهمه أنه يجب أن يشعر دائما بأنه في أمن وسلام، قدر ما يشعر المستبد القاهر أنه دائماً في خطر) أهـ

<<  <  ج:
ص:  >  >>