القدسية الخالبة التي تملأ القلب عبيراً والنفس نشوة وكمالاً. . . فارتحل إلى إيطاليا بلاد الشمس المشرقة والماء المترقرق، والذكريات الزاخرة بالحياة والحرارة
وجاب أنحاءها فتعرف إلى آثار التاريخ الروماني القديم الذي لم يمح الدهر سطراً واحداً من ذكرياته
وفي (روما) المدينة الخالدة استطاع الشاعر أن يدرس عصر النهضة درساً وافياً دقيقاً فكان يذهب في الصباح إلى نهر (التيبر) المنساب فوق رفات الدهور والأجيال، فيجلس على ضفافه ويتطلع من ثنايا مائه إلى آماله وأمانيه التي يخبئها المستقبل. وعندما يخيم الظلام يعود إلى مخدعه فينام راضياً مطمئناً
وهنا تشوق لامرتين إلى سماء (نابولي) الزرقاء ليشاهد فيها قبر (فرجيل) الذي كان يجد لذة في ترديد أشعاره فذهب إليها. وفي هذه الأثناء التقى الشاعر بأحد أصدقائه القدماء فعاش معه عيشة ألفة ودعة
نابولي عند الإيطاليين جنة سحرية فاتنة سكنتها أرواح الشعراء والأنبياء. . . هي غابة ابتدعتها عبقرية الله لتبقى مكمناً للفن والفكر والموسيقى، ومأوى لكل من يريد أن يرسم أفكاره التواقة إلى المثل الأعلى، وأحلامه الشاردة وراء أشباح الموت والحياة!!
تأثر (لامرتين) لهذه المناظر وشعر بجاذب عاطفي فلهب يدفعه إلى تفهم أسرارها. فإن مشاهد الصيادين يتفيأون في ظلال مراكبهم الصغيرة. . . والعاشقين يتشاكون الهوى تحت ألوية الدجى. . . والشمس المودعة تلقي نظرتها الحزينة على قمم الجبال. إن جميع هذه المناظر كانت تحرك إحساسه فينظمه شعراً لطيفاً عذباً كما تنظم القيثارة أنغامها وتنهداتها!
وبعد أن مرت بالصديقين أيام قليلة أحب لامرتين تلك الحياة الشعرية التي يحياها الصيادون في مراكبهم تحت السماء الصافية، وفوق متون الأمواج، فتمنى كثيراً لو أتيح له أن يحيا تلك الحياة.
وشاءت الأقدار أن تحقق أمنية الشاعر، وأن يلتقي بفتاة طاهرة تلمع في صدرها محاسن الحب والعاطفة، فقاده حسن الطالع إلى التعرف بصياد شيخ في السبعين من عمره كان ينتصب دائماً قرب زورقه انتصاب الطيف بين الموت والحياة!!