كان ذلك في ليلة من ليالي الصيف القمراء. . . بدا البحر فيها صافيا كمرآة العذراء في ساعة عرسها. . . أما السماء فقد تكللت بتاج من الأنوار لتضيء العيون وتهدي القلوب. . وفي وسط هذه التأثرات مرت بالشاعر العبقري أحلام موردة تركت في نفسه أثراً لا يمحوه الدهر
ثم تلت هذه الليلة ليال جميلة في زورق ذلك الصياد الشيخ!!
مات الصيف فأسرعت ربة الحقل بالرحيل لتستريح في وادي الذكرى. ثم جاء الخريف فتناثرت أوراق الأشجار واعتصب جبين الأفق بغيمة من تلك الغيوم السوداء المنذرة بخمود جمرة الأفراح. . . وفي ليلةٍ باردة أتفق الصديقان مع الصياد على سياحة في عرض البحر فركب الثلاثة الزورق وساروا يداعبون الموج بمجاديفهم الخشبية كأنهم في حلمٍ من الأحلام المزهزة. ولم تكد تمضي على ذلك ساعة حتى ثارت الأمواج منبئة بالكارثة الرهيبة. ثم أطفأت النجوم مصابيحها فاشتد حلك الظلام اشتداداً مخيفاً هو المصيبة العظمى. إلا أن الشيخ المسكين لم يستسلم إلى الهلكة فصاح بهم أن يغالبوا المنية حتى تلوي من أمامهم خاسرة مضعضعة.
وظلوا عالقين بين أشداق الموت ساعتين كاملتين حتى قذفتهم الأمواج الصاخبة إلى جزيرة تدعى (إبسكيا) كان بيت الصياد مبنياً فيها. . . وفي ذلك البيت الحقير كان يعيش الشيخ مع زوجه العجوز وحفيدته الحسناء غرازيلاّ.
لم تكن (غرازيلا) كسائر الفتيات. ولم تصنع مثلهن من طين وماء. . . لأن الله حباها بجمال رائع فتان. . . فعيناها سرقتا سوادهما من ظلام الليل، وجيدها التالع استعاد سحره من عرف الزهور البيضاء، أما قوامه الخالب فقد سكبته الطبيعة من ضياء الفجر لتبهر به عقل كل من يراها ويتأمل في معاني حسنها وجمالها
نشأت بين الصديقين والعائلة القروية ألفة لم تلبث أن تحولت إلى محبة سماوية، فاصبح الفريقان لا يحتملان ألم الفراق، وقد كونت هذا التقارب عاطفة غريبة بين الفتاة والشاعر، فإنها أحبته عندما ألقت عليه أول نظرة. وبعد أن درس (لامرتين) أخلاق العائلة وتبين مشاربها وأفكارها شعر بجاذب روحي مجهول يحبب إليه كل فرد من أفرادها.
وأحب أن يقرأ لهم في إحدى الليالي رواية (بول وفرجيني) ففعل. وفيما هو يقص عليهم