ارتموا على مضاجعهم تحفزهم هيبة الأسى. وتظللهم أجنحة اليأس والانفعال
وسارت الأيام في طريقها. . . ففي ذات ليلة من ليالي الربيع الجميلة كان الشاعر نائماً في حجرته فسمع قرعاً قوياً على الباب ففتحه فإذا صديقه القديم يدخل عليه قائلاً:
(أتيت لأصطحبك حالاً إلى فرنسا لأن والدتك تريد أن تراك قبل موتها. فإذا لم تذهب تركت في قلبها غصة أليمة ترافقها إلى الأبدية)
أثرت هذه الكلمات في قلب (لامرتين) فعاوده دفعة واحدة تذكار الماضي الذي قضاه في حضن أمه. ولما لم يحتمل جسده المكدود قوة الصدمة وقع مغمى عليه. وعندما ثاب إليه روعه وعد صديقه بالرحيل.
ثم دخل حجرته ورتب ثيابه، وبعد أن أخذ ورقة وأفرغ عليها جميع ما تضمره روحه العظيمة، أقسم لغرازيلا أنه سيعود إليها عندما تبرأ والدته العزيزة من مرضها، وأراد أن يودع غرازيالا قبل رحيله فمنعه صديقه. غير أن الفتاة استيقظت حينذاك فهبت مذعورة. وعندما علمت حقيقة الأمر وقعت فاقدة الرشد
تسرب داء الغرام إلى قلب (غرازيالا) فاصفرت زهرة حياتها اصفرار الوردة عندما يمسها الخريف بيده القاسية، أما لامرتين فكان يهتف باسمها في الحلم واليقظة!
ولم تشأ غرازيالا أن تفارق الحياة دون أن تبثه أسرار فؤادها ولاعج غرامها فأرسلت إليه هذه الرسالة:
حبيبي الفونس
يقول لي الطبيب إني سأترك الحياة بعد حين، فلذلك أريد أن أودعك الوداع الأخير! آه يا الفونس، حبذا لو كنت قريبا مني الآن، إذا لبقيت حية. . ولكن هي إرادة الله أيها الحبيب
إن جسدي سيضمه التراب ويبلى سريعا أما روحي فستظل مرفرفة فوق رأسك إلى الأبد. إني أترك لك - كتذكار - لما بيننا من عهود - شعري الذي كنت تحبه وتداعبه بأناملك الجميلة فاحفظه لأن رؤيته تعيد إليك ذكرى تلك الليالي التي صرفناها معاً في هذه الجزيرة الحبيبة التي تحن مثلي إليك
(غرازيالاّ)
منذ ذلك اليوم انطبعت على محيا (لامرتين) كآبة خرساء وقطنت عينيه اللطيفتين أشباح