ولم يصل لامرتين إلى النهاية حتى ارتعشت يده وهوت الورقة إلى الأرض. وعندما انحنى ليلتقطها رأى عند عتبة الباب زهرة حمراء كانت تحملها غرازيلا دائماً، ووجد بجانبها تلك الأيقونة التي تركتها فوق رأسه يوم كان مريضاً. هنا علم أن الصوت الذي كان يناجيه في عتمة الليل هو صوت غرازيلا. . . فمضى شاكياً!
قضى الأمر وفرت غرازيلا لتدخل إلى الدير، ولكن فرارها راش سهماً ماضياً في قلب لامرتين. فخرج منتحباً بين الأودية والوهاد.
وعندما مالت الشمس نحو المغيب اهتدى إليها في أحد الأكواخ. وما أن رآها حتى جثا بجانبها ووضع يديها بين يديه ثم أدناها من فمه ليدفئهما بحرارة أنفاسه. وبصوت متقطع خاطبها قائلا: لماذا اختبأت هنا؟
فاعترفت غرازيلا له أنهم أرادوا أن يجمعوها بغير الرجل الذي اختارته روحها. . ثم قالت أنها لم تهب قلبها لغيره في العالم
وأحنى لامرتين رأسه ليشكو لها ما يكابده من يأس وحرقة فقاطعته قائلة:
(لقد صرفت ليلة أمس باكية عند باب مخدعك وعندما خرجت قلت في نفسي إني لن أراك أبداً لأني سأصير راهبة تنقطع إلى عبادة الله على ضوء الشموع، وفي ظلال انفرادها الطويل الملول. . ولكني قرعت باب الدير فوجدته موصداً وهكذا رجعت إلى هذا المأوى لأقضي فيه ليلتي. ثم أشعلت المصباح أمام صورة العذراء وخاطبتها قائلة: أيتها القديسة إني أهب حياتي بما فيها من صبوة وإغراء لخالقي. وإذا جاء غداً ذلك الحبيب فقولي له غني أحببته بكل ميولي وعواطفي، وإني هجرت العالم لأجله. . قولي إني ضحيت بأعز شيء لدي، هاهو ذا شعري الذي كان يحبه فإني أقصه. خذيه أيتها العذراء وأبقيه معك ليظل آمناً بين يديك.
وهنا نزعت منديلها من رأسها فبدت كغصن عرى من أوراقه!!
اختبأ الليل بين خرائب الأبدية ثم بزغ الفجر معلناً قدوم الشمس، فقدم الصياد مع عائلته ليتفقدوا غرازيلا. وعندما شاهدوا تلك الكآبة التي ارتسمت على محياها الناضر ركعوا قربها ملتاعين ونار الحزن تأكل أفئدتهم
عاد الجميع صامتين إلى الجزيرة. وبعد أن صعدوا صلواتهم لتختمر في الفضاء الوسيع