للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأسف هو أن يضطر الشارع إلى الالتجاء إلى النصوص في تحقيق هذا المثل الذي يجب أن يحققه القلم لنفسه دون إرغام؛ وقد كان خيراً لو استطاع الكتاب أنفسهم أن يضعوا لأنفسهم دستورهم الخاص. وأن تحدد حدود الجدل والنقد بسائر صنوفه بحدود متينة من النزاهة والعفة والترفع عن لغو القول؛ والقانون الإنكليزي يعاقب السب والقذف الشخصيين بعقوبات شديدة رادعة، ولكن يندر أن تتورط صحيفة إنكليزية في مثل هذا الجرم؛ والصحافة الإنكليزية تضرب أرفع الأمثال لأدب الحوار والجدل وعفة النقد والمناقشة؛ فماذا يضيرنا أن نهتدي نحن في كتاباتنا بهذه المبادئ السامية؟

وثيقة دبلوماسية فرعونية

أضحت مواثيق الاعتداء من أهم عناصر السياسة الدولية الحاضرة؛ ولكن هنالك ما يدل على أن هذه المواثيق التي استحدثتها السياسة الدولية بعد الحرب، ليست من ابتكار الدبلوماسية الحديثة وحدها، ففي تراث المصريين القدماء ما يدل على أنهم عرفوا مواثيق الاعتداء قبل آلاف الأعوام؛ وهنالك وثيقة مدهشة من هذا النوع عثر عليها الأستاذ دنكان العلامة الأثري الأمريكي ترجع إلى نحو ثلاثة آلاف عام، وتعتبر بحق أقدم وثيقة دبلوماسية وصلت إلينا

وهذه الوثيقة عبارة عن نقش على صفحة فضية يحتوي على نصوص ميثاق بعدم الاعتداء عقد بين الملك رمسيس الثاني وبين ملك الحيثيين خيثاسار، وذلك في القرن الثالث عشر قبل الميلاد ومن الغريب أن هذه النصوص لا تبعد كثيراً عما تستعمله الدبلوماسية في عصرنا عدا بضع فروق وصيغ يسيرة؛ فعنوان الوثيقة مثلاً هو: (ميثاق سلام وأخوة دائمة)، ويلي ذلك نصوص الميثاق وهي مدمجة في ثماني عشرة مادة هذه أهمها: (يتعهد الحيثيون والمصريون كل قبل الآخران أن يلجئوا في تسوية جميع الخلافات التي تنشأ بين الدولتين إلى الوسائل السلمية وألا يلجئوا في تسويتها إلى القوة والعنف). فأي فرق بين هذا النص وبين النصوص المماثلة في مواثيق عدم الاعتداء المعاصرة؟ أما ضمان التنفيذ في هذا الميثاق القديم. فقد رجع فيه إلى ما يتفق وروح العصر الذي وضع فيه؛ ومن ثم فقد نص فيه على ما يأتي: (إذا ارتكب أحد الفريقين المتعاقدين ما يخالف هذا الميثاق الأبدي، فقد حلت عليه لعنة جميع الآلهة المصرية والآلهة الحيثية).

<<  <  ج:
ص:  >  >>