قال الأستاذ ألفرد فيدمان الألماني في كتابه (ديانة قدماء المصريين): (إن الهيمنة على جداول الأرض كانت بطبيعتها أقرب إلى التركيز والتوحيد من سائر المرافق الأخرى. إذ لا يتأتى تنظيم الري في مصر على نحو مضمون مكفول بغير هيمنة واحدة تمنع الأفراد أن يجوروا على المصلحة القومية في سبيل المنافع الفردية)
وتناول الأستاذ اليوت سميث هذا الرأي فشرحه وفصله في كتابه (التاريخ الإنساني) وأيد فيه ما سبقه إليه العالم الألماني من تعليل عبادة الملوك في مصر القديمة، إذ كان المالك عندهم لزمام النيل ومقادير الماء مالكا في ظنهم لمصادر الحياة، خليقاً أن يحاط بمظاهر من التعظيم ومناسك من التقديس لا يحاط بها الإنسان، ولا تكون لغير الأرباب.
ويزكي هذا الرأي أن (مينا) رأس الملوك الذين وحدوا البلاد وجمعوا بين حكم الوجهين إنما كان في معظم أعماله مهندساً يسوس الماء ويدري من ثم كيف يسوس البلاد، وإليه ينسب المؤرخون الأولون تحويل مجرى النيل وإقامة في أقاليم منف والفيوم.
ثم جاء عهد الحضارة العربية وهي الحضارة الثانية التي بقي لها بعد الحضارة الفرعونية أخلد الآثار في تكوين الشعائر وتقرير نظام الحكومة بين المصريين.
والفرق بين مظاهر الملك فيها ومظاهر الملك في الحضارة الفرعونية هو الفرق بين حاكم يقول: إنه (عبد الله) وحاكم يقول ويقال له: إنه هو الإله وسيد الخلق والأمر وباعث الخير من الأرض والسماء.
فليس للملك العربي (تاج) ولا يحب الملوك العرب أن يتشبهوا بالأعاجم في هذه المراسم. مدح عبد الله بن قيس الخليفة عبد الملك بن مروان بقصيدة من جيد شعره فيها.
إن الأغر الذي أبوه أبو العا ... صي عليه الوقار والحجب
خليفة الله فوق منبره ... جفت بذاك الأقلام والكتب
يعتدل التاج فوق مفرقه ... على جبين كأنه الذهب
فقال له عبد الملك: يا ابن قيس! تمدحني بالتاج كأني من العجم وتقول في مصعب (ابن الزبير):
إنما مصعب شهاب من الل ... هـ تجلت عن وجهه الظلماء
ملكه ملك عزة ليس فيه ... جبروت وليس فيه رياء