أما الأمان فقد سبق لك، ولكن والله لا تأخذ مع المسلمين عطاء أبداً. . . هذا وعبد الملك بن مروان كان من ملوك العرب الذين أكثروا من اقتباس الأزياء والشارات الفارسية، إلا مراسم التيجان التي بغضتها إليه النعرة العربية كما بغضتها إليه موجدته علي ابن الزبير ومن مدحوه وجنحوا إليه!
وأيا كان سر الإنكار في نفس عبد الملك فقد ظل الملوك المسلمون يؤثرون العمامة على التاج ويتخذون آثار النبي عليه السلام - ومنها البردة والخاتم - شعاراً للخلافة أعز عندهم وعند الرعية من كل شعار.
ثم جاء خلفاء الترك فاختاروا العمامة على التزين والترصيع، حتى لبسوا الطربوش وميزوه على سائر الطرابيش بحلية من حلي التجميل، كراهة منهم أن يتخذوا التاج ويتشبهوا بالملوك الأوربيين
أما ملوك مصر فقد لبثوا يتخذون الآثار النبوية شعاراً للخلافة حتى زالت عنهم هذه الآثار فعوضوها بما يشبهها، ثم جروا على سنة الولاة العثمانيين حين دخلت مصر في حوزة الدولة العثمانية.
ثم قامت الأسرة العلوية على أساس الانتخاب والتولية في وقت واحد: فقد أساء الوالي العثماني الحكم فاجتمع العلماء والنقباء بدار المحكمة واستقر رأيهم على اختيار محمد علي الكبير والياً عليهم وإبلاغه ذلك والكتابة إلى الآستانة في هذا المعنى. وانتقلوا إلى دار محمد علي باشا هاتفين: إننا لا نريد هذا الباشا - يعنون خورشيد باشا - والياً علينا. وقال السيد عمر مكرم:(إننا خلعناه من الولاية). . . فقال محمد علي باشا: ومن تريدونه والياً عليكم؟ فقالوا بصوت واحد: إننا لا نرضي إلا بك لما نتوسم فيك من العدالة. قال بعد تردد: إنني لا أستحق هذا المنصب وقد يكون في التعيين مساس بحق السلطان. فعاد العلماء والنقباء يقولون: إن العبرة برضى أهل البلاد وقد أجمعنا على اختيارك.
فقبل محمد علي وألبسه السيد عمر مكرم والشيخ الشرقاوي الكرك والقفطان وهما خلعة الولاية. ولم يمض على ذلك شهران حتى جاء الفرمان من قبل السلطان بإقراره في منصبه وتعزيز ما اختاره الشعب لنفسه، فكانت هذه هي بيعة الشعب المصري لمحمد علي الكبير ولأسرته من بعده