حتى بلغ عينتاب واستولى على المدينة، وإن كانت قلعتها لا تزال في أيدي المصريين. ويقال إن حافظاً باشا القائد العام للجيوش التركية كان مع هذه القوة، ولكنه تخلف عنها قبل أن تصل إلى عينتاب. ورأى جنود السلطان سكوت الجيش المصري وامتناعه عن القتال إطلاعه للأوامر الصادرة من الوالي إلى إبراهيم باشا، بعد أن هددته الدول الأوربية وأنذرته ألا يكون البادئ بفتح باب العدوان، فاغتنموا هذه السانحة وتوغلوا في البلاد من غير أن يلاقوا مقاومة، اللهم إلا مناوشة بين الفرسان السالفي الذكر وكتيبة صغيرة من البدو).
وقد أفصح هذا القنصل العام نفسه في رسالة سابقة بعث بها إلى حكومته عن حقيقة تهديد الدول الأوربية. وقبل أن ننقل إلى القارئ شيئاً من هذه الرسالة نقول إن ميخائيل توسزا الذي بعث بهذه المعلومات إلى أثينا، لم يكن من رجال الدبلوماسية الرسميين، ولا من رجال البحرية، بل كان تاجر استوطن الإسكندرية قبل أن تستقل بلاد اليونان، وكسب صداقة محمد علي، واحتفظ بهذه الصداقة. فلما أنشأت بلاد اليونان أول قنصلياتها في القطر المصري في عام ١٨٣٣، عهدت بأمور القنصلية إليه. ولم يكن يرسل في أول الأمر تقارير منتظمة إلى وزارة خارجيته، كما أنه لم يبدأ الاشتغال بالمسائل السياسية إلا في سنة ١٨٣٨. ولم يكتسب قط في حياته ذلك الأسلوب الخاص الذي تكتب به المراسيم والوثائق السياسية، بل كانت معانيه على الدوام واضحة كل الوضوح. ويمتاز ما كتبه توسزا بميزة أخرى غاية في الأهمية، وهي ناشئة من الصداقة الوثيقة التي كانت بينه وبين محمد علي. وقد كتب هذا القنصل إلى وزارة خارجيته في ٢٣ يوليه سنة ١٨٣٨ يقول:
(لقد أبلغ المستر كامبل وكيل إنجلترا السياسي الوالي بصفة رسمية أن بريطانيا العظمى تعارض أشد المعارضة فيما يطلبه من الاستقلال، وتصر على أن يبقى كما هو؛ وإلا فإن الدول الأربع: إنجلترا وفرنسا والروسيا والنمسا ستعمل مجتمعة لمنعه من نيل استقلاله، ولو أدى ذلك إلى استخدام القوة. وهذه الدول متفقة على ذلك، وقد قررت أن تزيد قوة الأسطولين البريطاني والفرنسي في البحر الأبيض المتوسط، وأن ترسل الجنود النمساوية إلى بلاد الشام إذا استلزم الموقف ذلك. ويلوح أن سمو الوالي سيجيب بأنه إذا عجز عن نيل رغباته بالرضا والمسالمة. فستلجئه الضرورة إلى أن يعمل لنيلها بوسائل أخرى؛