ومهما كانت العاقبة فسيكون من أكبر دواعي الشرف له أن تهزمه الدول الأربع الكبرى)
وكتب توسزا رسالة أخرى في ٦ سبتمبر سنة ١٨٣٨ يضم فيها بروسيا إلى جماعة الدول المتفقة. ولهذا الأمر أهميته، لأننا عرفنا من قبل أن هلمث فون ملتكه كان وقتئذ مع الجيش العثماني الذي كان يعمل بكل ما في وسعه ليستثير غيظ إبراهيم. وليس يخفى علينا أن ملتكه كان في ذلك الوقت رجلا لا خطر له، ولا يكاد يعرفه أحد؛ ولكن انضمام النمسا والروسيا وبروسيا كان مقدمة لحلف القياصرة الثلاثة الذي تم فيما بعد، ومضاعفاً للخطر الذي كان يتعرض له جيش إبراهيم. وقد أبلغ قناصل هذه الدول الثلاث محمداً علياً أن دولهم لا تسمح بأن يطرأ على العلاقة القائمة بينه وبين الباب العالي تغيير ما، وأنه إذا أقدم على عمل أيا كان نوعه فستنضم هذه الدول إلى تركيا لقتاله والتغلب عليه؛ فأجابهم الباشا عن ذلك بقوله:
(إنني لا أرغب في الحرب، ولن أقدم على عمل عدائي، ولكنني راغب في الاستقلال، ولن أتخلى عن هذه الغاية)
على أن هذا التحذير كان له أثره في نفس محمد علي؛ ورأى أن خير وسيلة لتجنب هذه الأحاديث البغيضة المنذرة بأسوأ العواقب، أن يرحل إلى الجنوب. وكانت الإشاعات متواترة بأن مناجم من الذهب صالحة للاستغلال قد كشفت في السودان. ورأى الباشا من مصلحته أن يتحقق من هذه الأنباء الهامة بنفسه، حتى إذا ما اضطر إبراهيم إلى الزحف على الأتراك، حلت بهذا الكشف مشكلة من أهم المشاكل. وزيادة على ذلك فإن غيابه يهيئ الظروف للمسألة التركية كلها أن تستقر على قرار ثابت مكين. لكن هذا الغياب المؤقت لم يكن ليفت في عضد الزمرة الدبلوماسية المتحدة التي ظلت تعارض محمداً علياً بعد رجوعه في ١٥ مارس سنة ١٨٣٩
ولاشك في أن إبراهيم كان يعرف كل هذه الحقائق ويعرف أيضاً كيف يتعظ بعبرها؛ لأن أباه كان دائم الاتصال به لا يقطع عنه أخباره؛ وكانت معرفته بها وتقديره خطر الموقف الذي كان يواجهه سبباً في أنه لم يحرك ساكناً حينما استثار الأتراك غيظه؛ وذلك لأنه أيقن أن الأتراك يلقون معونة أوربا السياسية؛ وعرف الباب العالي ذلك فوقف من المصريين هذا الموقف المغضب. وكان فون ملكته وفون ملباخ وغيرهما من الضباط البروسيين لا