عما احب من الكتب لفرضت عليك عقوبة. . . قال وهي أن اقرأ لك فصلا من فصول التمثيل، لأقيم لك الدليل على أن التمثيل يمكن أن يقرأ فيثير اللذة والإعجاب بعيدا عن الملعب، قالت ولمن تريد أن تقيم الدليل وقد عرفت أني أشاركك في الرأي، وإني لم اقل ما قلت ولم أذهب إلى ما ذهبت إليه، الا حين اضطررتني أنت إلى هذا الحوار الذي لا ينقطع، والذي لا خير فيه. قال ماكرا، ومن يدري لعلك إن حاورتك في الشعر أن تقولي انه لا يقرأ. وإنما يسمع من المنشدين. ولعلي إن حاورتك في الموسيقى أن تقولي أنها لا تقرأ، وإنما تسمع من الموقعين.
قالت ومن يدري لعلك أن حاورتني في أي شيء أن تسيء رأيي في كل شيء، وان تردني إلى حيث كان أسلافنا في العصور الأولى، لا يعرفون الترف العقلي ولا يبتغون لذة العقل والشعور إلا من أقرب الطرق وايسر الوسائل. فقد كانوا يسمعون الشعر ويسمعون الموسيقى ويسمعون التمثيل، لأنهم لم يكونوا يقرؤون فأما الآن فقد نستطيع نحن أن نسمع فان فاتنا الاستماع فقد نستطيع أن نقرأ. وأني لأفكر في هذا فاعجز عن إحصاء نعمة الله على الناس حين ألهمهم الكتابة وعلمهم القراءة. فهذه النعمة هي التي حفظت لنا ما بقي في أيدينا من آيات البيان في العصور القديمة وأتاحت لنا ان نعجب بما كان يعجب به الناس من سحر الشعر والنثر، منذ القرون الطوال. وهذه النعمة هي التي تتيح لنا دائما أن نستبقي آيات التمثيل التي لم يبق بينها وبين الملعب من سبيل، لأن الأذواق قد أصابها من التغير والتبدل ما جعل تمثيل هذه الآيات أمر لا مطمع فيه، فلولا أنها قد حفظت لنا بالكتابة ولولا أننا نستطيع أن نحييها في نفوسنا بالقراءة. لماتت موتا لا نشور بعده وكيف ترى تمثيل ارستوفان، وأي قصصه يمكن أن يظهر في الملاعب الآن وأين الآذان التي تستطيع أن تسمع لحواره وما فيه من تجاوز الذوق الاجتماعي ومخالفة الأدب المألوف. ومع ذلك فكيف يستطيع مثقف أن يجهل تمثيل ارستوفان، إني لأكره كل ما يشذ عن الأدب الذي تواضع عليه الناس ولأرفض كل الرفض أن اقرأ على أحد، أو أسمع من أحد كثيرا من قصص ارستوفان، بل إني لأكره أن أقرأ هذه القصص كما كان القدماء يقرؤون بصوت عال تسمعه الإذن، ولكني على ذلك اعترف باني أطيل النظر في هذه القصص واقرأه المرة بعد المرة واقرأه كلما ضقت بالحياة أو ضاقت بي الحياة، اقرأه بالعين لا بالشفتين