يذهبون ويجيئون، وأسمعهم يجادلون ويحاورون، ولكن ماذا أصنع إذا حيل بيني وبين الاختلاف إلى الملاعب، لأن ظروف الحياة لا تريد ذلك أو لأني أعيش في بلد لا يزهر فيه التمثيل، ولا يكاد يزوره إلا لماما أو لأن آيات من القصص التمثيلي قد قطعت الطريق بينها وبين الملاعب. أأجهل هذا الفن من فنون الأدب جهلا، وأهمله اهمالا، وأنسى أنه موجود وان فيه للنفوس الراقية متاعا، وللعقول الراقية غذاء، وللقلوب الراقية لذة. قالت وقد أخذها شيء من الدهش كأنما رفع عنها حجاب فرأت نورا باهرا لم تكن تنتظر أن تراه. ماذا تقول! وأين ذهب بي الجدال! وإلى أي حد انتهى بي حب الخصومة. قال إلى حيث تأتين ما لم يستطع الدهر أن يأتي وتصدرين أحكاماً عجز النسيان وعجزت الأيام وعجزت المحن والخطوب، وعجز الجهل والجمود عن أن تصدرها، إلى حيث تمحين من سجل التاريخ الأدبي أعلام الأدب القديم والحديث، إلى حيث تعتبرين ايشيل، وسوفوكل، واوربيد، وارستوفان، وشكسبير.
قالت في شيء من الجزع لا تقل هذا، وكيف السبيل إلى قبر هؤلاء الأعلام ومحو هذه الأسماء، وإهمال لهذه الآيات وان أصحابها لأبقى من الدهر كله وأقوى من الناس كلهم، وأحق بالعناية ممن شئت وممن لم تشأ من أبطال العلم والأدب والفلسفة جميعا. ثم انحدرت من عينيها دمعتان وقالت بصوت رقيق تقطعه العبرة، كيف يمكن أن ينسى قول سوفوكيل على لسان انتيجون في حوار الملك: ولدت للحب لا للبغض. قال مهلا، فأنا لم نأت إلى هذه الربوة الجميلة الهادئة، ولم ننزل ضيفا على هذه الطبيعة النضرة الباسمة لنسفح الدموع. ونثير في نفوسنا عواطف الحزن، وقد وعدتك أو قد وعدت نفسك بالا نعبث هنا ولا نلهو، ولكني لم أعدك، ولم تعدي نفسك بأن نبكي ونرسل الزفرات ونسفح العبرات. قالت والهدوء يثوب إليها وإشراق الابتسامة الهادئ الخفيف يذود عن وجهها ما غشيها من ظلمة الحزن، والبكاء، لولا شغفك بالجدال وكلفك بالحوار واحتيالك في خلق الخصومات التي لا تنتهي، ولما اضطررت إلى أن أتورط في هذا الكلام الذي لا يمكن أن يوصف ألا بأنه فن من فنون السخف أو لون من ألوان الجحود، قال لست جاحدة، ومعاذ الله أن تكوني جاحدة، ولكني قلت لك أني أصبحت أرى أن السخف أقوم ما في الحياة. قالت فكن سخيفا ما شئت. فأني لا أحب السخف. لا أحب ان أسمعه ولا أحب أن أخوض فيه، ولولا إننا هنا بعيدان