للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

جمالها وهدوءها فيما ستفيض به قلوبنا من شعور، وفيما ستضطرب به عقولنا من تفكير، وفيما ستجري به ألسنتنا من حديث. وأنتصف النهار وإذا هما في هذا المكان الجميل الذي خلت فيه الطبيعة إلى نفسها فاتخذت زينتها حرة طليقة لا متكلفة ولا خاضعة لعبث الناس. وإذا هما ينظران ويسمعان ويتنسمان هذا النسيم الهادئ القوي وقد أزيلت الحجب بين نفسيهما وبين ما في هذه الربوة من جمال هادئ قوي خصب مختلف الألوان. ولو قد خلي بينهما وبين ما كان يغرقان فيه من هذا الصمت الحلو الذي كان يمزجهما بهذه الطبيعة الحلوة لظلا صامتين هادئين حتى تزعجهما ظلمة الليل، فتخرجهما عما كانا فيه من صمت وهدوء، ولكن الطبيعة نفسها أبت عليهما ما كانا فيه كأنها أحبت أن تسمعهما وكأنها أحبت أن تمتزج أصواتهما بأصواتها. فما هي إلا أن يحسا نبأه تخرجهما من نعيم الصمت والذهول إلى شقاء الحديث والتفكير. أحسا نبأه فريعا لها، وهما أن يتعرفا مصدرها فلم يصلا مما أرادا إلى شيء ولكنهما تساءلا، وسمع كل منهما صوت صاحبه فأغري به واشتدت رغبته فيه، وعادا إلى ما كانا فيه من حوار، قبل أن يبلغا هذا المكان الجميل.

قال، وإذاً فأنت تجدين من المشقة في قراءة القصص التمثيلي ما يرغبك عن هذه القراءة، وينفرك منها، ويحبب إليك قراءة هذا القصص اليسير الذي لا أخذ فيه ولا رد ولا جدال فيه ولا حوار. قالت نعم وان كرهت ذلك ورأيته آية من آيات الضعف ومظهرا من مظاهر القصور. قال وكيف يكون ضعفا ما تحبين، وكيف يكون قصورا ما تكلفين به من الأمر؟ قالت تنبه فإني أراك مقدما على إخلاف الوعد الذي سبق. قال فإني لم أعد بشيء على أني لا أدرى أين يكون هذا الإخلاف. لست عابثا، ولا متجنيا، إنما أقول ما أعتقد، وأصور ما أرى. وإني لأشعر بالنفور من قراءة التمثيل، وبالرغبة في الاكتفاء بهذا القصص اليسير. قالت فانك تكبر التمثيل إكبارا أراك تسرف فيه، فلست أجحد قدره ولا مكانه بين مظاهر التعبير الأدبي، ولكن التمثيل خلق للملاعب لا للمكاتب. وخلق لينفذ إلى النفس من طريق الإذن والعين، لا من طريق العين وحدها. وخلق لينفذ إلى النفس ممتزجا بأصوات المتحاورين وحركات اللاعبين، لا لينفذ إليها كلاما غير منطوق، وعملا لا يأتي به أحد من الناس. قال حجة قوية هذه لا أريد ولا أستطيع أن انقضها وليس من شك في أني أوثر أن أرى التمثيل في الملاعب على أن أخلو إليه في مكتبي، وأوثر أن أرى أشخاص القصة

<<  <  ج:
ص:  >  >>