للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بنوع خاص ربوة بديعة يجرى من تحتها جدول بديع لا تقع القدم فيها إلا على عشب. ولا ترى العين فيها إلا جمال الشجر والزهر، ولا تسمع الإذن فيها الا هفيف النسيم وحفيف الورق وغناء الطير، وقد دارت حولها طائفة من الشجر الباسق الذي ارتفع في الجو كأنه يريد أن يبلغ السماء، والذي مد أغصانه في كل وجه حتى التفت واشتبك بعضها ببعض، وهيأت فوق هذه الربوة الجميلة الهادئة غرفات جميلة هادئة تصلح لتفكير المفكرين، وحديث المتحدثين، والرأي عندي أن نقصد إلى هذه الربوة فننفق فيها بياض هذا اليوم فإني مشوق إلى أن أراها بعد أن فارقتها منذ أعواما وأن أراك فيها بعد أن فارقتك منذ أيام تعدل أعواما وأعواما. قالت لا أرى بهذا بأسا ولكن على أن يسبق منك الوعد باثنتين أما أولهما فان تكف عن اللوم والعتب وما يشبه اللوم والعتب من هذا التجني الذي تحسنه أكثر مما تحسن أي شيء آخر، قال زعموا أن قيمة كل امرئ ما يحسن، فإذا كنت ترين أني ممتاز في التجني لا أكاد أحسن شيئا غيره وتطلبين إلي مع ذلك إلا اقصد إليه ولا أخوض فيه فأنت إذاً تريدين أن تضعيني موضع الذي يقول فيما لا يحسن، ويخوض فيما لا علم له به. قالت ذهابنا إلى هذه الربوة الجميلة الهادئة رهين بهذا الوعد. فلك أن تختار بين الجد الخالص الذي لا عبث فيه ولا دعابة، ولا لوم فيه ولا عتب، ومعه ربوتك الجميلة الهادئة وغرفتك البديعة التي تصلح للتفكير والحديث، وبينما تحب من العبث والخلط تذهب فيهما كل مذهب، وتندفع فيهما إلى غير الطريق، قال أوحرنا في الاختيار، فإني إذن أختار الثانية وأوثر أن نطوف بالعبث والخلط في شوارع هذه المدينة الصغيرة الهادئة، لا يضيق بنا مكان إلا تركناه إلى مكان آخر، ولا نستنفد فنا من فنون السخف إلا عدلنا عنه إلى فن آخر. فإني أصبحت أرى السخف أقوم ما في الحياة. قالت لقد أفسدتك باريس قال بل أفسدتيني أنت حين أكرهتيني على الذهاب إلى باريس، قالت فإني لا أدع لك حرية الاختيار وإنما أفرض عليك الربوة الجميلة الهادئة وحديثها البريء من العبث والتجني فرضا، قال لقد أطعتك حين نفيتني إلى باريس فأحرى أن أطيعك حين تذهبين بي إلى هذه الجنة الخضراء، وأكبر الظن أن طبيعة هذه الربوة الجميلة الهادئة ستكون أقوى منك ومني وستوجه عقلينا وقلبينا إلى حيث تريد هي لا إلى حيث تريدين، ولا إلى حيث أريد. قالت مادمت واثقا بالطبيعة إلى هذا الحد، مؤمنا لها إلى هذا الحد، فلنذهب إلى ربوتك ولنحكم

<<  <  ج:
ص:  >  >>