القاسم الثقفي فاتح السند ولما يكتمل العشرين، والذي قال فيه القائل:
ساس الجيوش لسبع عشرة حجة ... يا قرب ذلك سؤددا من مولد
كما أن ثروتهم وحضارتهم استتبعت شهرتهم بالفجور والربا حتى أن رسول الله لما صالحهم كان من شروط الصلح أن يسلموا وألا يزنوا ولا يَرْبوا. كذلك كانت كثرة العنب والزبيب في بلادهم سببا في شيوع الخمر بينهم وولوع أهلها بشربها. وقد كانت الخمر شائعة بين العرب في الجاهلية، ولكن بين خاصتهم لا بين عامتهم، إذ أن عامتهم قد عدموا القوت وحرموا ضرورات العيش أما المترفون فشربوا كثيرا وقالوا في شربها كثيرا. وقل أن نجد شاعرا جاهليا لم يتمدح بشربها وإتلاف ماله في سبيلها. وكانت الخمر تأتيهم من الشام ومن اليمن ومن الطائف، وكان الأعشى الشاعر يتجر
فيها، وكان له بقرية في اليمن يقال لها (أثافت) مِعْصَرة للخمر يعصر فيها ما يقدم له من أعناب. ونلاحظ من تاريخ العرب في الجاهلية وتراجم رجالها أن هناك طبقة من الشباب اعتادت أن تتلف مالها في الشراب، هم فئة من أولاد السراة نشأوا في ثروة وجاه، وألَّفت بينهم وحدة النزعة، يجتمعون في المواسم والأعياد والمناسبات فينحرون الجزوز ويهيأ لهم، ويشربون عليه وتغنيهم القيان أو الموالي من الفرس والروم والأحباش، ولكن هذه الطبقة لم تفقد مع شربها ولهوها شرفها وإبائها، فهي مع ذلك كله نبيلة كل النبل شريفة كل الشرف ثارت على كل شيء إلا قانون المروءة، وقانون المروءة يتلخص في الشجاعة والكرم. لا يعبئون بالحياة، يبذلونها في سخاء للإنجاد من أستنجد بهم، ونصرة الضعيف يستصرخهم ويلجأ إليهم، لا قيمة لحياتهم إذا مست كرامتهم أو كرامة قبيلتهم أو اعتدى أحد على جارهم أو حليفهم أو عبدهم، ولا قيمة للمال يوم يسألهم سائل أو يدعوهم لبذله داع، ولا بأس بالفقر يحل بهم وينزل بساحتهم، ولا ضرر إذا خسروا المال وكسبوا الشرف، وويل لزوجاتهم إذا لمنهم في الاستهتار بالحياة أو أتلاف المال، إذ ذاك يصبون عليهن نقمتهم ويملؤن الدنيا شعرا في لومهن وتأنيبهن. شاعرنا اليوم كان من هذه الطبقة، فتى غني، من ثقيف، من الطائف، شجاع، كريم، يكثر الشراب، ويتلف المال، ويحتفظ بالمروءة ويقول:
لا تسأل الناسَ عن مالي وكثرته ... وسائل الناس عن حَزمي وعن خلقي
القوم أعلم أني من سَرَاتِهِم ... إذا تطيش يد الرِّعديدَةِ الفرِق