قد اركبُ الهولَ مسدولاً عساكره ... وأكتم السِّرَّ فيه ضربَة العنق
عف المطالب عما لست نائله ... وأن ظُلمت شديد الحقِد والحنق
وقد أجود وما مالي بذي فنع ... وقد أكرُّ وراء المجحَرِ الفَرِقِ
سيكثر المالُ يوماً بعد قلته ... ويكتسي العود بعد اليبس بالورق
ظلت ثقيف على جاهليتها لا تذعن لدعوة الإسلام حتى أسلم من حولها ورأت نفسها بمعزل، فاضطرت إلى الإسلام في السنة التاسعة للهجرة، وسمع شاعرنا بالإسلام وتعاليمه فوقف حائرا، إن الإسلام يدعوا إلى المروءة وهو ذو مروءة، إن الإسلام يدعو إلى الصدق ومكارم الأخلاق وكل هذا حسن (فليسلم) ولكنه يأمر المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم، ولا يمدوا أعينهم إلى غير نسائهم، كما ينهي عن الخمر ويعاقب على شربها، فكيف يسلم وقد ألف الغزل ولا حياة له بغير الخمر؟ وقف قليلا ولكنه أسلم مع قومه وفوَّض إلى الله أمره ولم نسمع عنه في حياة رسول الله وأبي بكر شيئا ولكنا نراه اصطدم مع عمر وهو الشديد في الحق لا تأخذه فيه هوادة، فعاد شاعرنا يتغزل ويشرب. يرى امرأة من الأنصار تسمى (الشَّمُوس) فيحبها ويحاول رؤيتها بكل حيلة فلا يستطيع، فيؤجر نفسه ويعمل في حائط يبنى بجانب منزلها ويطل عليها من كوة البستان ويقول:
ولقد نظرت إلى الشَّمُوس ودونها ... حَرَجٌ من الرحمن غير قليل
ويشرب ويقول الشعر في الخمر:
إن كانت الخمر قد عزت وقد منعت ... وحال من دونها الإسلام والحرج
فقد أباكرها صِرفاً وأمزجها ... ريًّا وأطرب أحيانا وأمتزج
فيحده عمر حد الشرب، فيفكر شاعرنا ويطيل التفكير: هل يترك الغزل والخمر؟ لقد كان ذلك قبل الحد أما بعده فلا. إن من العار أن يتحدث الناس أني تركت الخمر خوفا من العقوبة وأنا الأبي الشجاع الذي لا يعبأ بالحياة إذن فلأشرب وليحدني عمر. وفعلا شرب فحده، وشرب فحد، وبلغ ذلك سبع مرات أو ثمانيا، وهو لا يزال على رأيه، مصمم على تفكيره، ماض في غزله وشربه، حتى يئس عمر من علاجه وضاق به ذرعا، فقرر أن ينفيه في جزيرة كانت تنفي فيها العرب في الجاهلية خلعائها، وبعث معه حَرَسيّا يحافظ عليه حتى لا يهرب، وأوصاه ألا يأخذ سجينه سيفا معه، وقد عرف عمر كيف ينتقم، فلم