نسخة من القصة لما نشرت بالإيطالية. والمحقق على كل حال أن قصيدة الفردوس المفقود نسخة طبق الأصل من قصيدة سالاندرا الإيطالي.
وأنتقل الآن إلى ما هو أحدث في أثناء الحرب العظمى. لم يكن لنا عمل بعد السعي وراء الرزق إلا القراءة والإطلاع واتقاء التعرض لمكاره الاعتقال والسجن وما عسى أن يكون وراءهما. وقد وقتني الكتب ذلك مرة وجاء القوم يفتشون بيتي وكان معهم ضابط إنجليزي، فلما دخل المكتبة وأجال عينه في الرفوف وما عليها من كتب الأدب حسن رأيه فيّ ومال إلى الرفق، فانتهى الأمر بخير. ولكن هذا استطرد فلنرجع إلى ما كنا فيه. والذي أريد أن أقوله هو أن صديقي الأستاذ العقاد أعارني يوماً قصة (تاييس) لأناتول فرانس فقرأتها بلهفة فقد استطاع المترجم الإنجليزي أن يحتفظ بقوة الأسلوب وتحدره وبراعة العبارة وسحرها. ومضت بضعة شهور ثم دفع إلي الأستاذ العقاد رواية (هايبيثيا) للكاتب الإنجليزي (تشارلز كنجزلزي) فقرأتها أيضاً، ثم سألني: ما رأيك؟ قلت: غريب. قال: إن الروايتين شيء واحد. قلت: صحيح
والواقع أن الروايتين شيء واحد وأن تاييس مأخوذة من هايبيثيا بلا أدنى شك. وفي وسع من شاء أن يقول إن أناتول فرانس ما كان يستطيع أن يكتب - أو ما كان يخطر له أن يكتب روايته لو لم يسبقه تشارلز كنجزلزي إلى الموضوع. ذلك أن تاييس في رواية أناتول فرانس هي هايبيثيا في رواية كنجزلزي، والعصر هو العصر والبلاد هي البلاد، وكل ما هنالك من الاختلاف هو أن أناتول فرانس أستاذ فنان، وأن تشارلز كنجزلزي أستاذ مؤرخ. وأنا مع ذلك أفضل رواية هايبيثيا وأراها أكبر وأعمق وأملأ للنفس وأمتع للعقل، فما لأناتول فرانس في تاييس غير براعة الأسلوب وحلاوة الفن، ولكن الصور في رواية هايبيثيا أتم وأصدق، والشخصيات أكثر ورسمها أقوى وأوفى والموضوع أحفل. وفي وسعي أن أقول بلا مبالغة إنها تعرض عليك عالماً تاماً لا ينقصه جانب واحد من الجوانب؛ وأما تاييس فليست سوى لمحة خاطفة من هذا العالم
وتشارلز كنجزلزي يرسم لك الحياة في تلك الفترة من تاريخ مصر بكل ما انطوت عليه ويريك الناس والأشياء والعادات والأخلاق والآراء والفلسفات الشائعة والفردية بدقة وأمانة، أما أناتول فرانس فيرسم لك بقلمه البارع خطوطاً سريعة تريك ما وقع في نفسه من ذلك