رضي الله عنه، في نسب طويل من أهل الفضل والكرامة والفقه في الدين، ما منهم إلا له تاريخ مشهود وجهاد مشكور ومسجد ومزار.
وأول وافد إلى مصر من هذه الأسرة هو المرحوم الشيخ محمد الطاهر الرافعي، قدمها في سنة ١٢٤٣هـ (قريب من سنة ١٨٢٧م) ليتولى قضاء الحنفية في مصر بأمر من السلطان؛ وأحسب أن مقدمه كان أول التاريخ لمذهب الإمام أبي حنيفة في القضاء الشرعي بمصر. ولم يعقب الشيخ محمد الطاهر غير فتاة وغلام، انتهى بموتهما نسبه فليس في مصر أحد من ولده؛ ولكنه كان كرائد الطريق لهذه الأسرة، فتوافد أخوته وأبناء عمومته إلى مصر يتولون القضاء ويعلمون مذهب أبي حنيفة حتى آل الأمر من بعد أن اجتمع منهم في وقت ما أربعون قاضياً في مختلف المحاكم المصرية، وأوشكت وظائف القضاء والفتوى أن تكون مقصورة على آل الرافعي؛ وقد تنبه اللورد كرومر إلى هذه الملاحظة فأثبتها في بعض تقاريره إلى وزارة الخارجية الإنجليزية.
وقد تخرج في درس الشيخ محمد الطاهر وأخيه الشيخ عبد القادر الرافعي أكثر علماء الحنفية الذين نشروا المذهب في مصر. ومن تلاميذهما الأدنين المرحومان الشيخ محمد البحراوي الكبير والشيخ محمد بخيت مفتي الدولة السابق
ولما توفي المرحوم الإمام الشيخ محمد عبده، كان شيخ الحنفية في مصر يومئذ هو المرحوم الشيخ عبد القادر الرافعي، فدعاه الخديو عباس إلى تولي وظيفة الإفتاء، وكان رجلاً زاهداً ورعاً فيه تحرج وخشية، فلم يجد في نفسه هوى إلى قبول هذا المنصب، تحرجاً من فتنة الحكم وغلبة الهوى في شأن يتصل بحقوق العباد وفيه الفصل في الخصومات بين الناس. . . فلما بلغته دعوة الخديو ذهب إلى لقائه وفي نفسه همّ، وهو يدعو الله ألا يئول إليه هذا الأمر ضناً بدينه ومروءته. . . وتمت مراسيم التولية، وتلقى الأمر من صاحب العرش بقبول وظيفة (مفتي الدولة) ثم نزل إلى عربته فركبها عائداً إلى داره وهو يتمتم ويدعو؛ فلما بلغ نزل الحوذي ليفتح له العربة ويساعده على النزول، فإذا هو قد فارق الحياة قبل أن يجلس مجلس الحكم مرة واحدة ليقضي في شئون العباد. . . واستجاب الله دعاءه. . .!
وأبو الأستاذ الرافعي هو المرحوم الشيخ عبد الرزاق الرافعي، كان رئيساً للمحاكم الشرعية في كثير من الأقاليم، وهو واحد من أحد عشر أخاً اشتغلوا كلهم بالقضاء من والد المرحوم