الشيخ سعيد الرافعي. وكان آخر أمر الشيخ عبد الرزاق رئيساً لمحكمة طنطا الشرعية؛ وفي طنطا كانت إقامته إلى آخر أيامه، وفيها مات ودُفن، وفيها أقام مصطفى صادق وأخوته من بعد أبيهم في بيته، فاتخذوا طنطا وطناً ومقاماً، لا يعرفون لهم وطناً غيرها ولا يبغون عنها حولا. ولقد حاولت وزارة الحقانية أكثر من مرة أن تنقل مصطفى إلى غير طنطا فكان يسعى سعيه لإلغاء هذا النقل، حتى لا يفارق البلد الذي فيه وفاة أبيه وأمه، وفيه مسجد السيد البدوي. . .
وكان الشيخ عبد الرزاق رجلاً ورعاً له صلابة في الدين وشدة في الحق، ما برح يذكرهما له مع الإعجاب معاصروه من شيوخ طنطا.
حدثني نسيب قال:(كنت غلاماً حدثا، وكان الشيخ عبد الرزاق الرافعي من جيراننا وأحبابنا الإجلاء، وكان يتخذ مجلس العصر أحياناً في متجر جاره وصديقه المرحوم الحاج حسن بدوي الفطاطري، في شارع درب الأثر، ودرب الأثر يومئذ هو شارع المدينة وفيه أكبر أسواقها التجارية؛ ففي عصر يوم من رمضان، كان الشيخ عبد الرزاق يجلس مجلسه من متجر صديقه، فمر به رجل ينفث الدخان من فمه وبين إصبعيه دخينة، فما هو إلا أن رآه الشيخ عبد الرزاق، حتى اندفع إليه، فانقض عليه، فأمسك بثيابه، فدعا الشرطي أن يسوقه إلى القسم لينال الحد على إفطاره في رمضان في شارع عام. وما أجدى رجاء الرجل ولا شفاعة الشفعاء؛ فسيق الرجل إلى القسم في (زفة) من الصبيان، ليتولى الشيخ حده بنفسه على إفطاره. وما كان القانون يأمر بذلك ولا يجيزه، ولكن الشرطة ما كانوا ليخالفوا أمر قاضي المدينة، وما كانوا يعرفون له عندهم إلا الطاعة والاحترام)
وحوادث الشيخ عبد الرزاق من مثل ذلك كثيرة يعرفها كثير!
واسم (الرافعي) معروف في تاريخ الفقه الإسلامي منذ قرون وأحسب أن هناك صلة ما بين أسرة الرافعي في طرابلس الشام وبين الإمام الرافعي المشهور صاحب الشافعي؛ وقد سألت المرحوم الأستاذ الرافعي مرة عن هذه الصلة، فقال: لا أدري، ولكني سمعت من بعض أهلي أن أول من عُرف منا بهذا الاسم شيخ من آبائي كان من أهل الفقه وله حظ من الاجتهاد والنظر في مسائله، فلقبه أهل عصره بالرافعي تشبيهاً له بالإمام الكبير الشيخ محمود الرافعي صاحب الرأي المشهور عند الشافعية، والله أعلم.