دخلوا في أرضنا، وأن لا تكتفي بإخراجهم منها، بل عليك أن تزحف على جيش العدو الأكبر وتقاتله)
ووصلت هذه الأوامر إلى إبراهيم في غسق الليل؛ فأراد أن يهاجم العدو عند مطلع فجر اليوم التالي. ورأى سليمان باشا (الكولونيل سيف ساعد إبراهيم الأيمن، الذي طالما أشرنا إليه في هذا الكتاب) غير هذا الرأي، وأصر على أن وجود الضباط البروسيين في جيش حافظ باشا يحمله على الظن بأن مواقع العدو قوية محصنة؛ وطلب الضابط الفرنسي أن يستكشفا بنفسهما تلك المواقع قبل الهجوم عليه. ولما كان من شيمة إبراهيم أن ينصاع دائماً إلى حكم العقل، فقد قبل هذا الرأي عن رضى وطيب خاطر.
وفي صباح اليوم التالي اضطلع القائدان نفسهما بتلك المهمة الخطيرة، مهمة استطلاع مواقع الجيش التركي. ومازالا يقتربان من خط النار حتى أصاب الرصاص حصان أحد جنودهما فقتله وكانت نتيجة هذا الاستطلاع أن عرفا أن نصيبين التي اعتصم بها حافظ باشا أمنع من عقاب الجو، وأن ليس في مقدورهما أن يستوليا عليها عنوة، لأن فون ملتكه وفون ملباخ نصبا معسكر الأتراك عند سفح التل الذي يجري عنده نهر كرزين
وجعلا هذا النهر حائلا بين المصريين والجيش التركي. ولذلك اضطر المصريون أن ينسحبوا من مواقعهم ويهاجموا العدو من جهة أخرى. وأيقن إبراهيم وسليمان باشا أن الفضل في اختيار هذا الموقع المنيع الذي اتخذه الجيش التركي لنفسه يرجع إلى مهارة الضباط البروسيين وخبرتهم الفنية، ولكنهما قدرا أن الألمان لن يستطيعوا أن يتنبئوا بالحركة الجريئة التي سوف يقدمان عليها
والحق أنهما لم يخطئا التقدير، لكنهما حين أقدما على ما أقدما عليه عرضا أنفسهما لأشد الأخطار رغم أنهما بنيا خطتهما على نفسية البروسيين وعقلية الأتراك. وقد وصف تلك الخطة إيميه فنترنييه صاحب سيرة سليمان باشا بقوله:
(وكانت فكرة سليمان وميضاً من العبقرية إذا أفلحت وأوهاما من عقل مخبول إذا أخفقت. ولكنه كان مؤمناً بصوابها، واستطاع أن يبث هذا الإيمان في الجيش كله لا فرق بين قائده الأعلى وأصغر جندي فيه).
وكانت الخطة التي نفذت بإشراف إبراهيم وعلى مسئوليته هي أن يترك الجيش المصري