للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المعسكر الذي كان يحتله وقتئذ، ويسير مخترقا قرية مزار، وأن يتم ذلك بين طلوع الفجر وغسق الليل؛ ثم يلتف حول جبل بيازار ويعود بعدئذ فيتجه نحو العدو مولياً شطر الجنوب في اتجاه قرية كرد قلعة، وكانت الفكرة التي بنيت عليها هذه الحركة كلها هي: أولا أن فون ملتكه عندما يرى أن الجيش المصري قد رفع معسكره لا يشك مطلقاً في أن قواد هذا الجيش لن يفعلوا ما كانوا ينوون أن يفعلوه، وهو تعريض جناحهم للخطر، وأنه سيمكنهم بذلك من أن ينفذوا الشطر الأول من خطتهم قبل أن يدرك حقيقتها. وثانياً أن فون ملتكه إذا ما أدرك حقيقة الموقف وأراد الانسحاب إلى مواقع خير من مواقعه الأولى ليهاجم منها المصريين قبل أن يصلوا إلى أماكن آمنة، لن يتمكن من التغلب على كبرياء القائد التركي، بل إن هذا القائد سيتغلب على المنطق الألماني الضعيف.

ويقال إنه لما فرض حافظ باشا رأيه على الضباط الألمان غضبوا أشد الغضب ورفعوا إليه استقالتهم، فلما فعلوا ذلك قال لهم السر عسكر: (إن الجندي لا يستقيل قبيل الموقعة). وكان هذا الالتجاء إلى المبادئ الخلقية العسكرية كافياً لحل المشكلة، فلم ينسحب فون ملتكه بل أفرغ وسعه في معالجة هذه الحال الطارئة، فعدل خططه ونقل مدافعه التي أصبحت عديمة الفائدة لأن المصريين أبوا أن يقدموا أجسامهم طعاماً لنيرانها، ووضعها حيث يمكنه الاستفادة منها. وأيقن أن الموقعة الحاسمة ستبدأ عند مطلع فجر اليوم التالي، وكان يخشى أن تكون نتيجتها وبالاً على الجيش العثماني، لأن إبراهيم خرج على القوانين الحربية، فأبى أن يتبع البديهيات الأولى في فن الحروب، وخرق مبادئها الأولية. ولشد ما تألم ذلك العالم الخبير بفنون الحرب حين رأى أن عدوه قد أبى أن يعمل ما يجب عليه أن يعمله. ولاشك في أنه كان يعتقد أن أمثال ماكماهون وبازين ممن يتمسكون بالقواعد والأصول، خير من رجال كإبراهيم أو سليمان باشا يضعون قواعدهم لأنفسهم.

وما أسفر صبح اليوم الرابع والعشرين من شهر يونيه حتى بدأت المعركة بهجوم المصريين. وكان جل اعتماد الأتراك على فرسانهم لأنهم ظنوا أن طبيعة الأرض تحتم عليهم اتباع هذه الخطة الحربية. وقد يكونون مصيبين في ظنهم لأننا لا ندعي لأنفسنا تلك الخبرة بالفنون العسكرية التي تمكننا من أن نبدي رأيا في هذا الموضوع. وكل الذي يعنينا هنا هو أن مشاة المصريين صدوا هجوم الفرسان العثمانيين، فولى هؤلاء الفرسان الأدبار

<<  <  ج:
ص:  >  >>