للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لا يلوي أخرهم على أولهم. وعندئذ وقع الاضطراب في صفوف الجيش العثماني كله فتضعضعت أركانه ولم تأت الساعة التاسعة حتى كان إبراهيم سيد الميدان غير المنازع.

وأقبل إبراهيم على خيمة حافظ باشا. وقد وصفها فنترنييه وصفاً لا نعتقد أنه كان جاداً فيه؛ لأنه قال: (إنها كانت واسعة الأرجاء كأنها قصر مشيد، مزخرفة كأنها حجرة استقبال لأحد الأباطرة العظام، يبهر الرائي جلالها وعظمتها) يبدو على هذا القول كثير من المبالغة، ولكن الذي لاشك فيه أنه كان في هذه الخيمة المزخرفة أريكة من الأرائك التركية المطعمة بالصدف، البعيدة عن الذوق والجمال الفني بعدها عن النفع، ثمنها عظيم ولكن الجالس عليها في عناء. وقد ترك بعضهم على هذه الأريكة أوسمة حافظ باشا ورسائله.

فلما دخل إبراهيم هذا المسكن المؤقت المترف، الذي لا نشك في أن فون ملتكه كان يعده مخالفاً للسطرين الثالث والرابع من الفقرة التاسعة من القسم الرابع عشر من المادة الثانية عشرة بعد المائتين من القواعد الخاصة بنظام الجيوش في الميدان، كان يكسوه العثير ويتصبب من جبينه العرق. ولما رأى هذه الأبهة الكاذبة تبسم ابتسامة ملؤها السخرية والازدراء، ومشى من فوره إلى الأريكة غير حافل بالأوسمة التي لم تكن لها قيمة في نظره، لأنه أكبر من أن يهتم بهذه الصغائر. ولكن الوثائق المتروكة وما قد يكون فيها من أمور ذات بال استرعت نظره، فوقف يفحصها وإذا به يجد فيها فرمانا يعين حافظ باشا والياً على مصر بدل والده فأمر أن يعنى بفحص الأوراق الباقية عساه أن يجد فيها من المعلومات ما له قيمة حربية. وبعد أن وكل هذه الأمور إلى من يعنى بها، أرسل الفرسان المصريين لمطاردة الأتراك الفارين، وأعد العدة لمواصلة الزحف على مرعش وملطية وديار بكر

ويقول لنا القنصل اليوناني العام في تقريره المرسل إلى أثينا إن إبراهيم كتب إلى محمد علي من خيمة حافظ باشا نفسه ينبئه بهزيمة الأتراك، وأن الموقعة لم تدم أكثر من ساعتين، وأن البشير وصل بهذا النبأ السار إلى القاهرة في اليوم الثالث من شهر يوليه؛ ومنها أرسل بالبرق إلى الإسكندرية حيث كان الباشا مقيما في ذلك الوقت وجاء في تقرير قنصلي آخر أن مدافع الجيش لم تطلق أكثر من ساعة ونصف ساعة، وأن الأتراك زلزلت أقدامهم فجأة، فطارت قلوبهم وولوا مدبرين، وأنهم خسروا خمسة آلاف قتيل ونحو سبعة آلاف أو ثمانية

<<  <  ج:
ص:  >  >>