للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جرسه في النقل والترجمة.

ويقولون إن المنفلوطي لم يصوّر إلا ناحية واحدة من نواحي الحياة هي البؤس، وإنه لم يوفق حتى في هذه الناحية.

وهذا قول مردود، فقد اشتهر المنفلوطي بمقالاته أكثر منه برواياته، وهذه (نظراته) في أجزائها الثلاثة طافحة بكل طريف؛ وقد عالج فيها جميعاً من فنون الأدب وشؤون الحياة الشيء الكثير

وهب أنه لم يكتب في الاجتماعيات ولا في الشعر ولا في النقد الأدبي، وأنه وقف قلمه السيال على المأساة دون الملهاة، وعلى تصوير البؤس دون السعادة، فهل يلام الحزين إن لم يفتر ثغره بالبسمات؟ وهل تلحي الكئيب إذا لم تعرف مقلتاه إلا الدموع وإذا لم تفض نفسه إلا بما تشعر به، ويجيش به صدره المجهود؟!

ثم من ذا الذي كتب في البؤس فبلغ مدى المنفلوطي فيه؛ ومن هو الكاتب العربي الذي حرك بنفثات قلمه مكامن الأشواق وهز مختلف الأحاسيس وتلاعب بالعواطف وأجرى الشؤون من العيون كما حركها وأثارها وأجراها مصطفى لطفي المنفلوطي؟!

ويقولون إن التكلف احتل كتاباته كلها وإن قلمه كان يجري بما لم تكن تشعر به نفسه. وفي هذا القول ما فيه من هراء

فلقد قال فيه عارفوه والذين لازموه في حياته إنه لم يكتب إلا عن فيض شعوره وحسه، وإن كتاباته صور حقيقية لنفسه، وإن أدبه وكرم خلقه وما تحلى به شخصه من مزايا وصفات إنما هي رسائله وكتبه لا تنقص ولا تزيد؛ أما أسلوبه فخال من التكلف وتكاد كلماته الطيعة تسيل رقة وعذوبة

والمنفلوطي إلى هذا كله شاعر مجيد وله قصائد رائعة لا تعيبها إلا قلتها. وهو في شعره شأنه في نثره متخير اللفظ متين السبك، لطيف المعاني بارع الوصف، وله في الوجديات غرر وفي الحكم آيات

. . . . وبعد فحسب المنفلوطي فضلا على الأدب العربي أنه انتقل به في مستهل النهضة من الجفاف إلى الإيراق والإيناع، وإنه حبب جمهور المتأدبين في الإنشاء الرفيع وأساغ له الاستمتاع بالسلاسة وتذوق العذوبة فيه. وحسبه فخراً أنه نسيج وحده في عصره لم يجاره

<<  <  ج:
ص:  >  >>