اليونان وتركيا؛ فكتاهما تملك قوة بحرية متواضعة، ولكنها في نفس الوقت تكفي لأغراض الدفاع المحلية، وكلتاهما تعتبر من الدول البحرية في هذه المياه
إن عصرنا الحاضر عصر التسليحات والأهبات الدفاعية؛ والبحر الأبيض التوسط ليس مكفول السكينة، بل يخشى أن يكون في المستقبل القريب مسرحاً لمنافسات وخصومات ربما أصاب مصر رشاشها؛ ومن بواعث الأسف أن تكون حقوق الأمم اليوم عرضة للإنكار والانتقاص من جانب بعض الأمم التي تعتد بقوتها؛ ففي مثل هذه الفترات المضطربة من الحياة الدولية التي يسود فيها قانون القوة، ترتجف الأمم الضعيفة إشفاقاً على مصايرها، وتستمد من بعض المحالفات القوية ما تعتمد عليه لدرء الخطر، ولكن ذلك لا يعفيها من واجب الأهبة والاستعداد قدر استطاعتها؛ وإذا كانت مصر لظروف خاصة قد تخلفت في هذا المضمار عن غيرها من الأمم، فان عليها أن تستكمل اليوم ما فاتها بالأمس، لكي تستطيع مسايرة الحوادث والظروف، ولكي تثبت قبل كل شيء أنها تحرص على استقلالها الذي نالته بعد طول كفاح
وهذه هي تكاليف الاستقلال الفادحة؛ فان استقلال الأمم لا تكفله الحقوق الدولية إذا لم تدعمه أهبة الدفاع؛ ومصر اليوم تبدأ في هذا الميدان حياة جديدة، وتعنى بتنظيم دفاعها يحفزها إلى هذا الواجب المقدس تاريخ جيشها المجيد؛ ولكن مصر أيضا دولة بحرية، وقد كان لها أسطول مجيد كما كان لها جيش مجيد. فلتذكر إذن تاريخ هذا الأسطول الذي بسطنا خلاصته في هذا الفصل؛ وإذا كانت ظروفها الحاضرة لا تفسح لها مجالا للعمل السريع في هذا الميدان، فان المستقبل القريب قد يمهد لها سبيل التفكير، وقد يمدها أيضا بالوسائل والموارد التي تعاونها على تحقيق هذا المشروع الحيوي الجليل.