وكلاهما من دعاة القديم، وكلاهما أديب مرح يجيد الدعابة ويستجيد النكتة البكر، وإن كانت فكاهة حفني أظهر وأبعث على الضحك وتكشف عن فراغ القلب، وفكاهة الرافعي أعمق وأدل على قصد العبث والسخرية وامتلاء النفس. ولعل روح الفكاهة في الرافعي كان لها شأنها فيما كان بينها وبين المرحوم حافظ إبراهيم بك من صلة الود والإخاء.
حدثني الأستاذ الأديب جورج إبراهيم - صديق الرافعي وصفيُّه منذ حداثته - قال: لقد كانت الصلة بين الرافعي وحفني أكثر مما يكون بين الأصدقاء، وكانا يتزاوران كثيراً، أو يجتمعان في قهوة (اللوفر) بميدان الساعة، وكنت أغشى مجلسهما أحياناً. . . فكنت أرى حفني يتواضع للرافعي ويتصاغر في مجلسه، على مقدار ما يتشامخ الرافعي ويتكبر ويدعي الأستاذية، حتى ليرى له الرأي في القضايا التي لم يدرسها حفني بعد، فلا يحكم فيها إلا بما حكم الرافعي!
ظل الرافعي في وظيفته تلك، موزع الجهد بين أعماله الرسمية وأعماله الأدبية وما تقتضيه شئون الأب وشئون رب الدار، على المورد المحدود والبساط الممدود. . . وما زاد مرتب الرافعي الشاعر الكاتب الأديب الذائع الصيت في الشرق والغرب، الموظف الصغير في محكمة طنطا الكلية الأهلية، على بضعة وعشرين جنيهاً في الدرجة السادسة، بعد خدمة ثمان وثلاثين سنة في وظائف الحكومة. . .
على أن الرافعي كان له مرتب آخر من عمله في المحكمة، وهو ثمن ما كان يبيع من كُتبه للموظفين والمحامين وأصحاب القضايا الذين يقصدون إليه في مكتبه لعمل رسمي؛ فما كان أحد منهم يستطيع أن يظفر برضا الرافعي فيقضي له حاجته، حتى يبيعه كتاباً من كتبه. وكانت ضريبة فرضها الرافعي من طريق الحق الذي يدعيه كل شاعر على الناس!
ليت شعري أكان على الرافعي ملام أو معتبة أن يفعل ذاك. .؟ لنا الله أيها الأدباء في هذه الأمة التي لا تحفظ الجميل!