للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إلى الباب مدحورين، ثم فضحهم وشهَّر بهم (في الرسالة) أمام الناطقين بالضاد أجمعين.

لئن نعى الأستاذ (الزيات) والأساتذة (المازني والعقاد وأمين) من بعده، على أدباء هذا الجيل الناجمين، جهلهم بلغتهم، وتقصيرهم في تحصيل آدابها، فما احقني إذن، أن أشغب على زملائي الناشئين - وعلى الكهول في سوريا أيضاً - فأنعى عليهم جميعاً: ضعف النفس، وضمور الشخصية، وقلة الاستعداد لحمل رسالة الفكر الحر، والعقيدة الثائرة؛ وأن أسمي هذا النوع من حملة الأقلام (أدباء الدلال) بعد أن أسمى أستاذي (الزيات) أدبهم (أدب السندوتش) هذا الذي تقوم ثقافته على (نتفات من الكتب، ولقفات من الصحف، وخطفات من الأحاديث) والذي نجد نتاجه (مختضراً معتسراً كجنين الحامل أسقطته قبل التمام).

إن شأن اللغة في الأدب الفحل ثانوي بالقياس إلى نفس الأديب وشخصيته، وإن الجهل بها والتقصير في تحصيل آدابها، من السهل واليسر - إلى حد بعيد - أن نعالجهما ونبرأ منهما، إذا ما تعهدناهما بالإرادة القوية، والعزيمة الحازمة، والكدح الصابر، والمعاناة الجلدة.

ولكن اللغة بلا نفس تنفخ فيها الحياة، ولا شخصية تطبع هذه الحياة بطابع خاص، ودون فكرة تذاع، لا تكون إلا حطاماً تدوسه الأقدام، وقرقرة تعافها الآذان

كثيرون وكثيرون من الأدباء أوفوا في معرفة لغتهم على الغاية، وأشرفوا في تحصيل آدابها على الذروة، ولكن طبيعتهم التي لابستهم، وبيئتهم التي أخرجتهم، وعوامل أخرى، كل هذا لم يهيئ لهم النفس التي تهدم لتبني، والشخصية التي تستقل لتهيمن، فتهوروا وتدهوروا وانحدروا إلى الوادي بين جموع الناظمين والمنشئين واللاعبين، من حيث طفر إلى القمة أهل النفوس والشخصيات، فتبوءا قمم (أولمب) واستقروا في جنات (عبقر) ذلك لأن قوام الخلود في عالم الأدب، نصيب هذا الأدب من فيض الحياة وزخرها، وقسطه من معرفتها وخبرها. وهذه الحياة التي أعدت للرجال أهل العود الصلب واللسان العضب، محرمة على من ضعفت نفوسهم، وضمرت شخصيتهم، ولانت قناتهم، وموصدة أبوابها دون أولئك الذين يتهيبون مجاهلها، ويخافون جدها، ويجفلون من عثارها، ويعولون جياعاً على عتباتها، والذين لا تحملهم أقدامهم الرخوة للجري فوق شوكها، والوثب على صخورها

هؤلاء (الناعمون المدللون) أهل الدلال والدعة، هم طفيليات في هذه الحياة، وهم - بالتالي - متطفلون على موائد الأدب، وليس للمتطفلين في عالم الأدب بقاء

<<  <  ج:
ص:  >  >>