للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وليت هذا الرثاء وهذا المديح كانا من وحي الخاطر، ومن بنات القريحة؛ وإنما هما سرقات من الكتب رصفت رصف الحصى، ونتفات من الدواوين ركبت تركيب (اللعبة)

أعرف أديباً آخر - أو على الأصح متأدباً - أفتدري يا صاحبي ما رسالته؟ رسالته هي مهمة (سماسرة) القطن في مصر أو (سماسرة) البصل والثوم عندنا في سوريا. إذا كان الصباح يدعو إلى الانتداب، ويتغنى بمآثره و (يسمسر) له؛ وإذا كان الضحى، وكان الحكم الوطني ملأ الجو بالتصفيق، وحطم الآذان بقصائده ينشر فيها مجد بني عبد شمس، ويذيع فيها صنيع أبناء عدنان؛ وهو (يسمسر) للحكم الوطني لأن بيد الحاكمين مناصب الدولة، ورياسة ديوان وزارة المعارف؛ وهو عند الأصيل معارض للحكومة الوطنية، متحمس في معارضته، مسرف فيها، لأنهم طردوه ولم يقبلوه، وهو أخيراً في المساء رجل مسالم يقف بعيداً (على الحياد) لا يدعو إلى شيء ولا يؤمن بشيء لأنهم لوحوا له من بعيد بالسوط، مهرول إلى عقر داره، مضطرب النفس، مهتز القلب؛ وآثر السكوت والرضى بالواقع على الشغب المغرض، والنعيب المضجر

أعرف متأدباً قيل له ذات يوم (لم لا تنتسب إلى هذا الحزب ومبادئه كيت وكيت؟) فقال: (إنني أؤمن بمبدئه، وأرضى عن منهجه، وأطمئن إلى برامجه، ولكن خصومه أصدقائي وصحبي، فلا قدرة لي على خصامهم!. . وعلى أن أكون حرباً على هذا الحزب بين صفوفهم!. .)

هذه خطوط هي إلى اللمحات الخاطفات أقرب منها إلى الصور الجامعات، أوردناها - على عجل - لتلمس أيها القارئ نواحي من هذه الحياة التي يضطرب فيها جماعة الأدباء، والتي هي ضرب من ضروب الجمود بل الموت.

يزعم أدباؤنا أن سماءنا غائمة ليس لها روعة الإيحاء والإلهام، وأن آفاقنا ضيقة ليس لها القدرة على تفتيق الأذهان والأحلام، وأن حياتنا جامدة ليس فيها من فيض الحياة ما يحرك المشاعر والأوتار.

لا! لا! لم تغم السماء لكن عيونكم حسرى ما ترتفع، ولم تضق الآفاق ولكن أذهانكم لم تفتق، ولم تتجمد حياتكم ولكن أوتار قلوبكم ما تتحرك.

ها هنا زعماء يرقصون على قبور الأمة، ويرتفعون على أشلاء الشهداء، ويتناصرون

<<  <  ج:
ص:  >  >>