ومع ذلك فسوف لا يعم هذا الخلاص جميع النفوس البشرية وإنما سيبقى منها عدد غير متناه ساقطاً في أحابيل الشر مسجوناً في غيابات الأجسام المادية، لأنه مهما اقتطع من اللامتناهي عدد ذهب إلى الخلاص، فان ذلك الاقتطاع لا يؤثر فيه ولا يخرجه عن صفة اللانهائية لا سيما إذا عرف أن الأصل هو الشر أو الانحباس في سجن المادة، وأن التخليص عارض، ولكن أنجح الوسائل إلى هذا التخليص هو معرفة القوى الكونية الخمس والعشرين ودوام التفكير فيها. ولذلك يقول (بياس ابن براشن): اعرف الخمسة والعشرين بالتفصيل والتحديد والتقسيم معرفة برهان وإيقان، لا دراسة باللسان، ثم ألزم أي دين شئت فان عقباك النجاة. . .
وهذه القوى الخمس والعشرين هي: النفس الكلية والهيولي المجردة، والمادة المتصورة، والطبيعة الغالبة، والعناصر الرئيسية وهي: السماء والريح والنار والماء والأرض، وتسمي (مهابوت) والأمهات التي هي بسائط العناصر، فبسيط السماء (شبد) وهو المسموع وبسيط الريح (سبرس) وهو الملموس. وبسيط النار (روب) وهو المبصر. وبسيط الماء (رس) وهو المذوق، وبسيط الأرض (كند) وهو المشموم. ولكل واحد من هذه البسائط ما نسب إليه وجميع ما نسب إلى ما فوقه. فللأرض الكيفيات الخمس، والماء ينقص عنها بالشم، والنار تنقص عنها به وبالذوق، والريح بهما وباللون، والسماء بها وباللمس. ولعلهم في نسبتهم الصوت إلى السماء يقصدون به أن لدوران الكواكب في أفلاكهاتلك اللحون الموسيقية التي زعم (فيثاغورس) أن سماعها يتاح لكل من صفت نفسه ولطف حسه. والحواس المدركة، وهي: السمع والبصر والشم والذوق واللمس والإرادة المصرفة والضروريات الآلية. واسم الجملة:(تتو) والمعارف مقصورة عليها
أما الإنسان فهو عند هذا المذهب معقد تعقيداً يلفت النظر، إذ هو مكون من ثلاث شخصيات مختلفة: الأولى الجسم المادي الذي ينحل ويتفكك بالموت ثم تتلاشى أجزاؤه في أصولها الناشئة عنها من عناصر المادة. الثانية جسم دقيق شفاف، وهو الذي يعتبر في الحقيقة الجوهر الصحيح للإنسان، وهو الذي يتناسخ ويتقمص الأجسام الأخرى. الثالثة النفس التي هي الواحد الحق المماثل كل المماثلة لجميع الآحاد الحقة التي هي من عالمه