وعلى غير انتظار زاره صديقه رشدي ففرح به أيما فرح وكان في أشد الحاجة إلى من يبادله الرأي ويبثه الشكوى ويتقبل منه العزاء، فبادره سائلاً: (أراجع أنت من كفر الشيخ. . .؟)
فرد عليه الشاب وهو يتنهد:
(أي كفر الشيخ يا رجل. . . لقد كنت تلك الشهور التي غبتها عنك كالرحالة أجوب البلدان وأزور الرجال وأتسقط الرزق. . . والآن ما أخبارك أنت. . .؟)
(لا شيء مطلقاً سوى أني سعيت للتوظف وعدت من مسعاي بالخيبة. . . هل من أخبار عن صديقنا حامد وإبراهيم؟)
(أخبار سعيدة والحمد لله. . . هما الآن موظفان بالحكومة المصرية. .)
(مبارك حظهما. . . ولكن كيف حدث هذا. . .؟)
(كيف حدث هذا؟ أتحسب أن حامداً يشقى في طلب وظيفة وأبوه مستشار في محكمة النقض والإبرام؟ لقد كان تعيينه بالنيابة العمومية أمراً مفروغاً منه من يوم أن التحق بالكلية)
(حسن. . وإبراهيم؟ نعم إن إبراهيم غني ولكن أهله فلاحون وليسوا من ذوي المناصب الحكومية. . .)
(المال أبو الخوارق، وإبراهيم شاب جسور، أفتعلم ماذا صنع. . . ذهب إلى وكيل وزارة الخارجية وهو من بني بلدته، وطلب يد ابنته ومهرها ألف جنيه. . . ولما كانت هذه الفتاة من ذوات الأمزجة الرقيقة اللاتي لا يجوز أن يمضين شهر العسل في مصر فعما قريب سنذهب جميعاً لتوديع صديقنا العزيز وهو في طريقه إلى السفارة المصرية بروما. . .)
فبدت الدهشة على وجه الشاب وتساءل:
وما الذي زكاه - وهو شاب ناشئ - فطاب في عيني هذا الرجل الخطير. . . ومثل ابنته يتنافس فيها خيرة الموظفين الممتازين. .؟
(ما فائدة التساؤل؟ هب أنها عاطل من الجمال. . . أو أن رشاشاً يبلل سمعتها. . أو. . أو. . فما يهمني سوى رواية ما عندي من الأخبار. . .)
وصمتا لحظة جامدين خلا فيها كل منهما إلى أفكاره ثم نظر الشاب إلى رشدي وقال: