ولكن ما باليد حيلة وقد سدت في وجهه الطرق وأظلمت الدنيا في عينيه فينبغي أن يغض عن الآمال العالية ولو إلى حين ريثما يبحث عن كسرة الخبز أولا، ومن يعلم فقد تتمخض البداية الصغيرة عن نهابة عظيمة؛ فكم من الوزراء بدءوا كتبة في المحاكم المقبورة في أقاصي الصعيد.
وهكذا اضطر إلى أن يحول قلبه عن محركات الدولة الكبرى إلى آلاتها الصغرى الميكانيكية التي تتحرك ولا تدري لم تتحرك أو كيف تتحرك.
وأصبح ذات يوم فوجد نفسه في حجرة واسعة تتزاحم فيها المكاتب الهرمة يقعد وراءها قوم خيل إليه - لجمودهم وتفاهتهم - أنهم قطعة من بنيانها المتهدم.
المركز صغير. . والمرتب ضئيل. . ترى هل ينتظر طويلا كي يضخم هذا المرتب أو يعلو هذا المركز؟ واقترب برأسه من زميل له وسأله همساً:
(ما موعد علاوتي المقبلة؟)
فنظر إليه الرجل دهشاً ورد عليه بصوت مسموع رنان:
(يحل موعد علاوتك - ومقدارها جنيه واحد - بعد أربع سنوات بصفة اسمية تصير فعلية بعد سنة فالمدة كلها خمس سنوات. . .)
ولفتت إجابة الرجل انتباه الحاضرين فعرفوا بداهة السؤال الذي اقتضى هذه الإجابة فلم يملكوا أنفسهم من الضحك. . . ومن حقهم أن يضحكوا من هذا الشاب الذي يسأل عن موعد علاوته ولما يمض عليه في العمل أسبوع، وقال له واحد منهم:
(ستعلمك هذه الوظيفة أن تستهين بمتع فترة من عمرك وهي الشباب. . . فتستحث كل يوم - من أجل جنيه واحد - خمس سنوات من العمر اليانع أن تفوت وتنطوي. . .!)