وبناء؛ وهم لذلك قد ضيقوا دائرته تضييقاً شديداً، ويجب (في رأيه) أن تتسع هذه الدائرة، حتى يصبح النحو قانون تأليف الكلام، وبيان كل ما يجب أن تكون عليه الكلمة في الجملة، والجملة مع الجمل، حتى تتسق العبارة، ويمكن أن تؤدي معناها
وليسمح لي الأستاذ المؤلف أن أخبره بأن هذا التعريف غامض الغموض كله، فبيان كل ما يجب أن تكون عليه الكلمة في الجملة قول عام مبهم، يشمل بيان أن تكون هذه الكلمة مستعملة في معناها الحقيقي، أو غير مستعملة، قصد بها السجع مع كلمة أخرى أو لم يقصد، رمي بها إلى طباق أو تورية أو جناس، أو لم يُرَمَ بها، إلى غير ذلك، وعلى هذا يشمل تعريف النحو علوم اللغة العربية كلها. لأنها جميعاً ما وضعت إلا لبيان كلّ ما يجب أن تكون عليه الكلمة في الجملة؛ ثم قسمت وأصبح لكل علم اختصاص خاص؛ ولا احسبني في حاجة إلى أن أحدث الأستاذ عن اختصاص علم المعاني وعلم البيان وعلم البديع، التي ترمي جميعها مع علم النحو، كما قلت، إلى بيان ما يجب أن تكون عليه الكلمة في الجملة؛ ولا أخال المؤلف يريد أن يجعل علم النحو عاماًُ شاملاً يضمّ تحت جناحيه علوم العربية كلها.
ولكن يظهر أن المؤلف (وتعريفه لعلم النحو غير محددّ ولا واضح كما قلت) يرمي بكل ما يجب أن تكون عليه الكلمة في الجملة إلى وصف حالها من تقديم أو تأخير أو نفي أو إثبات أو تأكيد أو استفهام، وهنا أريد أن أقف وقفة قصير نستبين فيها غرض علم النحو وغايته.
لا احسبني أبعد عن الصواب إذا قلت: إن غرض علم النحو (كما هو واضح فيما بين أيدينا من كتبه) ليس إلا تكوين الجمل تكويناً سليماً، وإقدارنا على النطق الصحيح الخالي من الخطأ في التركيب. فليس صحيحاً إذاً أن ندعي على النحاة أنهم قصروابحثهم على أواخر الكلمات، بل هم قد تعرضوا كثيراً، وكثيراً جداً، أكثر مما توهم المؤلف الفاضل إلى بيان وضع الكلمة من الكلمة والجملة من الجملة، وإلى حذف بعض أجزاء الكلام لدليل أو لغير دليل، وإلى كثير مما يعرض للكلمة من النفي والإثبات. وأكبر الظن أني أجلب السآمة للقارئ إذا أنا أخذت أحدثه عما في كتب النحو من ذلك كله، ولست أكلفه إلا أن يرجع إلى كتاب من هذه الكتب ليرى بعينيه أن المؤلف كان مغالياً كل المغالاة حين ادعى على النحاة أنهم لم يعنوا إلا بأواخر الكلمات. ولأجلب الطمأنينة إلى النفوس سوف أنقل هنا مثالاً