تقول: عدت المريض، واجتهدت رغبة في النجاح، وسوف أزورك الساعة الخامسة، ونجح التلاميذ إلا سعيداً، واشتريت أقتين جبناً، وما جئتك إلا زائراً؛ فانظر كيف كمل المعنى في المقال الأول بذكر المفعول به، ولو أنك حذفته لصار المعنى ناقصاً مبتوراً؛ وفي المثال الثاني إذا أنت حذفت المفعول لأجله، جعلت الكلام غير معلل ولا مسبب، فتقل فائدته ومعناه؛ أما إذا حذفت المفعول فيه في الجملة الثالثة فإنك سوف تلقي بمن تزوره في خضم من الظن والتخمين، لأنه لا يدري متى تزوره حتى يتهيأ للقائك؛ ولا أخال المستثنى في المثال الرابع يقل أهمية عن المستثنى منه، فكلاهما مقصود يهتم به القائل، ولو أنك حذفت المستثنى لفسد المعنى وأصبح خاطئاً. وقل مثل ذلك في الحال والتمييز؛ فقد بدا لك أن العربي يقصد هذه الأنواع قصداً، ويعنى بها عناية تامة، فلِمَ لَمْ يميز كلا منها بحركة، كما ميز المضاف إليه بحركة، وإذا علمت أن المضاف إليه لم يذكر في الكلام قصداً، ولم يؤت به لأنه مراد لذاته، (كما يقولون) وإنما جيء به لتعريف المضاف أو تخصيصه وتقليل شيوعه فحسب - إذا علمت ذلك أدركك العجب حين ترى أن ما يقصد في الكلام ويعنى به: من حال أو تمييز أو غيرهما، لا يهتم العربي بأن يجعل له علامة خاصة تدل عليه، أما ما يذكر عرضاً فإن العربي يحتفل به أيما احتفال، ويضع له حركة تميزه. ذلك قول لا يستطيع العقل أن يقبله.
ثانياً: لأنه ليس من الصحيح أن الفتحة هي الحركة الخفيفة المستحبة التي يراد أن تنتهي بها الكلمة، فلو كان ذلك صحيحاً ما وقف العرب بالسكون على الكلمات التي تنتهي بالفتحة، ولا انتهزوا فرصة اختتامها بالفتحة، فوقفوا بها استمتاعاً بما يحبونه من نطقها. ولست أدري كيف وصل المؤلف إلى هذه النتيجة وكيف استنبطها، مع أنه ليس في الكلام العربي كله كلمات يقف عليها المرء بالفتح إلا إذا كان آخر الاسم منوناً مفتوحاً، فلو كان العرب يحبون الوقوف بالفتحة لجعلوا وقفهم بها لا بالسكون، ولاختتموا بالفتحة كل كلمة تقع في آخر الجملة، ولما أتوا بكلمات مفتوحة في أول الكلام ووسطه؛ وذلك غير ما هو واقع بين أيدينا.
ثالثاً: لأن المؤلف أراد أن يجعل الضمة علامة الإسناد، فتكلف في سبيل ذلك عناء ومشقة،